الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يبيع الحانث بعض ما لديه لإخراج كفارات اليمين أم يجزئه الصوم؟

السؤال

عليَّ كفارات يمين كثيرة، وأريد أن أسددها، وأعرف أنه يجب أن أبدأ بإطعام عشرة مساكين، إن قدرت. والمشكلة أنه ليس لديَّ المال الآن، وقد كان لديَّ مال من قبل، لكنني لم أخرج به الكفارات، بل اشتريت به جهازا. فهل يلزمني بيع ذلك الجهاز أم لا؟ وأبي يعطيني مصروفا في الأسبوع، وأظن أنه غير كاف لإطعام ثلاثة مساكين. فهل يجب عليَّ تجميع ذلك المصروف؟ أم أذهب إلى الصيام؟ مع العلم أن عمري ستة عشر عاما، ولست موظفًا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كنت عند شراء الجهاز محتاجًا له، فلم يكن يجب عليك صرف المال الذي اشتريته به في إخراج الكفارة، وأما إن لم تكن محتاجًا له: فكان الواجب عليك صرف المال في إخراج الكفارة، فالكفارة واجبة على الفور عند أكثر العلماء، وانظر الفتوى: 277693.

وأما بيع الجهاز لإخراج الكفارة: فإن كنت محتاجًا له، فلا يجب، وأما إن كان زائدًا عن حاجتك، وأمكن بيعه، فيجب عليك بيعه.

قال ابن قدامة في المغني: ‌الكفارة ‌إنما ‌تجب ‌فيما ‌يفضل ‌عن ‌حاجته الأصلية... إذا ثبت هذا، فإنه إن كان في شيء من ذلك فضل عن حاجته، مثل من له دار كبيرة تساوي أكثر من دار مثله، ودابة فوق دابة مثله، وخادم فوق خادم مثله، يمكن أن يحصل به قدر ما يحتاج إليه، وتفضل فضلة يكفر بها، فإنه يباع منه الفاضل عن كفايته، أو يباع الجميع، ويبتاع له قدر ما يحتاج إليه، ويكفر بالباقي، إن تعذر بيعه، أو أمكن البيع، ولم يمكن شراء ما يحتاج إليه، ترك ذلك، وكان له الانتقال إلى الصيام؛ لأنه تعذر الجمع بين القيام بحاجته، والتكفير بالمال، فأشبه ما لو لم يكن فيه فضل. اهـ.

وأما هل يسوغ لك التكفير بالصيام الآن لو كنت موسرًا وقت الحنث ولم تكفِّر؟ فهذا محل خلاف بين العلماء.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: من عجز عن أداء ما وجب عليه من الكفارة وقت الوجوب، ثم تغير حاله، فقد اختلف الفقهاء في ذلك، فعند الحنفية، والمالكية: العبرة بوقت الأداء، لا بوقت الوجوب، وهو أحد الأقوال عند الشافعية، فلو كان موسرا ‌وقت ‌الوجوب ‌جاز ‌له ‌الصوم، وعند الحنابلة، وفي قول عند الشافعي أن العبرة بوقت الوجوب، لا بوقت الأداء، وفي قول آخر للشافعية، والحنابلة أنه يعتبر أغلظ الأحوال من حين الوجوب إلى حين التكفير. اهـ

وانظر الفتوى: 189949.

والأحوط -خروجًا من خلاف العلماء- ألَّا تكفر بالصيام حينئذ، وأن تنتظر حتى توسر، وإن كفرت بالصيام أخذا بقول من يسوغ ذلك، فلا تثريب عليك، فالمستفتي له أن يتخير في مسائل الخلاف -ما دام لم يصل إلى حد تتبع الرخص بالأخذ بالأيسر في كل مسائل الخلاف-.

جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي: وله -أي المفتي- تخيير من استفتاه بين قوله، وقول مخالفه؛ لأن المستفتى يجوز له أن يتخير، وإن لم يخيره، وقد سئل أحمد عن مسألة في الطلاق؟ فقال: إن فعل حنث، فقال السائل: إن أفتاني إنسان لا أحنث، قال: تعرف حلقة المدنيين؟ قال: فإن أفتوني حل؟ قال: نعم. اهـ.

وراجع للفائدة حول تعدد الكفارات الفتوى: 394996.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني