الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضابط عقوق الوالدين

السؤال

هل المعتبر في كون الكلام من عقوق الوالدين، أم لا؛ هو معنى اللفظ، أم ما يترتب عليه؟ مثال الحالات الآتية:أولاً: إذا كان يمزح الابن مع والديه؛ بألفاظ متعارف عليها أنها لا تقال للوالدين -لأن ظاهرها العقوق-، ولكنها لا تغضب الوالدين؛ ولا تؤذيهما؛ بل تؤنسهما. ثانياً: إذا كان لفظاً ليس من العقوق المتعارف عليه؛ لكنه يغضب الوالدين. مثال: عندما يقول أحدهم لأبيه إذا ظلمه: اتق الله، أوالظلم ظلمات يوم القيامة.. إلخ. ثالثاً: إذا كان يستعمل التعريض على الوالدين كأن يقول آية لعنة الله على الظالمين، أو إن الله لا يصلح عمل المفسدين.. إلخ أمام الوالدين. باختصار في الحالة الأولى الكلام بحد ذاته من العقوق؛ ولكنه لا يؤذي الوالدين؛ و في الحالة الثانية؛ والثالثة الكلام ليس من العقوق بحد ذاته؛ ولكنه يؤذي الوالدين.في هذه الحالات الثلاثة السابقة؛ أيها يعتبرعقوقًا؛ وأيها مباح؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فعقوق الوالدين من أكبر الكبائر، وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ حد العقوق المحرم هو الفعل الذي يحصل به أذى شديد للوالدين.

قال الهيتمي -رحمه الله- في الزواجر عن اقتراف الكبائر: كَمَا يُعْلَمُ مِنْ ضَابِطِ الْعُقُوقِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ أَيْ عُرْفًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُتَأَذِّي. انتهى.

وعليه؛ فالظاهر -والله أعلم- أنّ الكلام الذي يؤذي الوالدين أذى شديدا؛ فهو من العقوق الذي هو كبيرة .

وأمّا مخاطبة الوالدين بالألفاظ التي لا تليق بمقام الوالدين، كمناداتهما باسمهما على سبيل المزاح ونحو ذلك؛ فالظاهر أنه ليس من العقوق؛ ما داما لا يتأذيان به؛ بل يستأنسان به.

لكن ينبغي على الولد؛ أن يجتنب كل ما لا يليق بالوالدين؛ من الكلام؛ ولو كانا لا يتأذيان منه.

فحقّ الوالدين عظيم، والذلة وخفض الجناح لهما؛ مأمور به شرعا، قال تعالى : "..إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا " الإسراء(23).

قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: وقل لهما قولا كريما: أي لينا لطيفا مثل: يا أبتاه، ويا أمّاه من غير أن يسميهما ويكنيهما. قال عطاء وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولا كريما، ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. انتهى.

وقال: فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة في أقواله، وسكناته، ونظره. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني