الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أريد معرفة مفاتيح الفرج، فعليَّ ديون، ومصاب بمرض نفسي، ولم أتزوج، ولا أملك عملًا.
قال لي صديق: أَكْثِرْ من قول: لا حول، ولا قوة، إلا بالله، فكنت أقولها كثيرًا، وفي بعض الأيام كنت أصل إلى 10000 مرة في اليوم، وكنت أسمع الناس يتحدثون عن حوقلة قالوها، وفرج الله كربهم، ولكنها لم تفرّج عني. وبعد مدة انقطعت عنها، وشعرت أن الله لن يفرج كربي، لأني عاص، أو لن يستجيب لي.
والآن لا أعرف ماذا أفعل. عليَّ ديون ليست كبيرة، ولكني أحمل همها في قلبي، وأريد إرجاعها إلى أهلها، ولا قدرة لي على ذلك.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يفرج همك، وأن يشرح صدرك، وأن يقضي دينك، وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تقر بها عينك في الدنيا والآخرة.

وننصحك أن تلزم الدعاء لما تريد تحقيقه، فإن الدعاء من أفضل العبادات، وهو وسيلة المؤمن إلى بلوغ الحاجات. فقد قال الله -تعالى-: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد والترمذي، وقال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ومن الأدعية النافعة على كل حال ولكل مطلب: دعاء يونس -عليه السلام-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: دعوة ذي النون إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له. رواه الترمذي، والنسائي، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

ولا تقنط من رحمة الله، وأكثر من الاستغفار، فقد قال الله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همٍّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب. رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

أما قولك أنك لم تتزوج بسبب الفقر؛ فما يدريك لعل الله تعالى سيفرج همَّك المادي، ويغنيك بسبب الزواج، لأن الله -تعالى- جعل النكاح من أسباب الغنى، حيث يقول تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ({النور:32). وقد جاء في أثر عن عبد الله بن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح. وراجع المزيد في الفتاوى 462436، 7863.

أما قضاء الدين، فنسأل الله -العظيم رب العرش الكريم- أن ييسر لك قضاء دينك، وأن يرزقك من حيث لا تحتسب، فهو غياث المستغيثين، ومأوى المضطرين، وكاشف كرب المكروبين، ما خاب عبد سأله واطَّرح بين يديه، فالملجأ إليه، والتوكل عليه، وفي الحديث القدسي: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له. متفق عليه.

وقد جاءت بعض الأدعية النبوية في قضاء الدين، منها ما رواه الترمذي في سننه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أن مكاتباً جاءه، فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لو كان عليك مثل جبل ثَبير ديناً أداه الله عنك، قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك. رواه أحمد، والترمذي، والحاكم، وصححه الحاكم، وحسنه الأرناؤوط والألباني.

وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند النوم: اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عنا الدين، وأغننا من الفقر.

وعن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: أَلَا ‌أُعَلِّمُكَ ‌دُعَاءً ‌تَدْعُو ‌بِهِ ‌لَوْ ‌كَانَ ‌عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلٍ دَيْنًا لَأَدَّى اللَّهُ عَنْكَ؟ قُلْ يَا مُعَاذُ، اللَّهُمَّ مَالِكُ الْمُلْكِ، تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَحْمَانُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، تُعْطِيهُمَا مَنْ تَشَاءُ، وَتَمْنَعُ مِنْهُمَا مَنْ تَشَاءُ، ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِينِي بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ. رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد كما قال المنذري، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.

وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني، وديون يا رسول الله، فقال: أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همَّك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحَزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: فقلت ذلك، فأذهب الله تعالى همّي وغمّي وقضى ديني.

وأما سعة العيش؛ فقد روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي، وَوَسِّعْ عَلَيَّ فِي ذَاتِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي. قال شعيب الأرناؤوط: حديث حسن لغيره.

ووردت بعض الأدعية النبوية بسؤال الله الرزق مطلقًا، كقوله صلى الله عليه وسلم-: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا. رواه أحمد، وابن ماجه.

ولمعرفة أسباب اتساع الرزق راجع الفتويين: 278299، 152093.

وإذا وافتك المنية ولم توفّ كل ما عليك من الديون، أداها الله عنك، بشرط أن تكون ناويًا وساعيًا في أدائها، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله. رواه البخاري. وراجع هذه الفتوى: 33345.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني