الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ما حكم الصلاة (أعني النافلة) بعد فريضة الصبح؟
أرجو أن تجيبوا على سؤالي هذا مع ذكر اختلاف العلماء وأدلتهم. ثم ماذا تقولون في من يقول صلاتي صدقة للذي لم يصل في جماعة الفجر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد ثبت النهي عن صلاة النافلة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس.

ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح:

قال النووي: أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها، واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف، وصلاة الجنازة، وقضاء الفائتة، فذهب الشافعي وطائفة إلى جواز ذلك كله بلا كراهة، وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى أن ذلك داخل في عموم النهي، واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر، وهو صريح في قضاء السنة الفائتة، فالحاضرة أولى، والفريضة المقضية أولى، ويلتحق ما له سبب.

قلت: وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب، فقد حكى غيره عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا، وأن أحاديث النهي منسوخة، وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر، وبذلك جزم ابن حزم، وعن طائفة أخرى المنع مطلقا في جميع الصلوات، وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات، وحكى آخرون الإجماع على جواز صلاة الجنازة في الأوقات المكروهة، وهو متعقب بما سيأتي في بابه.

وما ادعاه ابن حزم وغيره من النسخ مسنندا إلى حديث من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى. فدل على إباحة الصلاة في الأوقات المنهية. انتهى.

وقال غيرهم: ادعاء التخصيص أولى من ادعاء النسخ، فيحمل النهي على ما لا سبب له، ويخص منه ما له سبب جمعا بين الأدلة.

وقال البيضاوي: اختلفوا في جواز الصلاة بعد الصبح والعصر، وعند الطلوع والغروب، وعند الاستواء، فذهب داود إلى الجواز مطلقا، وكأنه حمل النهي على التنزيه. قلت: بل المحكي عنه أنه ادعى النسخ كما تقدم، قال: وقال الشافعي: تجوز الفرائض وما له سبب من النوافل، وقال أبو حنيفة: يحرم الجميع سوى عصر يومه، وتحرم المنذورة أيضا، وقال مالك: تحرم النوافل دون الفرائض، ووافقه أحمد، لكنه استثنى ركعتي الطواف. انتهى.

ومذهب مالك في هذه المسألة يحتاج إلى توضيح، حيث تكره عنده صلاة النافلة بعد صلاة الصبح حتى تبدأ الشمس في الطلوع فيدخل وقت الحرمة حينئذ حتى يكتمل طلوعها، ثم يأتي وقت الكراهة حتى ترتفع الشمس قدر رمح. قال خليل في محتصره: وكره بعد فجر وفرض عصر إلى أن ترتفع قيد رمح وتصلى المغرب.

وقال أيضا: ومنع نفل وقت طلوع شمس وغروبها وخطبة جمعة. انتهى.

وقال الإمام الترمذي في سننه: حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح. انتهى.

وعليه، فالمسألة محل خلاف بين أهل العلم وأكثرهم على كراهة صلاة النافلة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس.

والتصدق بثواب الصلاة للغير مختلف فيه بين أهل العلم، فعند الحنابلة والحنفية يصل الثواب إلى المهدى له، وعند المالكية والشافعية لا يصل، وتفصيل هذه المسألة في الفتوى رقم: 27664.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني