الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المدين المعسر الخائف من غرمائه يجوز له التخلف عن الجماعة

السؤال

أنا رجل عندى ديون لا أستطيع تسديدها لذا وعندما أذهب لمنطقتي قريبا من الرياض لمدة يومين لاأصلي لأن بها من يريدون حقوقهم فما الحكم وجزاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:



فصلاة الجماعة واجبة على الأحرار البالغين من الذكور، في الراجح من قولي العلماء، فلا يجوز لأحدٍ أن يتخلف عنها إلا لعذر شرعي يبيح له ذلك، ومن جملة الأعذار التي ذكرها العلماء لإباحة التخلف عن الجماعة: الخوف من الغرماء، بسجن أو ملازمة وما في معناهما من الإيذاء، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة في الجملة.
قال في المغني -حنبلي-: وفي معنى ذلك، أن يخاف غريماً له يلازمه ولا شيء معه يوفيه، فإن حبسه بدين هو معسر به ظلم له، فإن كان قادراً على أداء الدين لم يكن عذراً له، لأنه يجب إيفاؤه انتهى.
وقال في أسنى المطالب -شافعي-: (و)بالخوف (من) حبس أو ملازمة (غريم وبه)، أي بالخائف (إعسار يعسر) عليه (إثباته)، بخلاف الموسر بما يفي بما عليه، والمعسر القادر على الإثبات ببينة أو حَلِف. انتهى.
وقال في البحر الرائق -حنفي-: أو كان إذا خرج يخاف أن يحبسه غريمه في الدين. انتهى.
وقال في التاج والإكليل -مالكي-: (والأظهر والأصح أو حبس معسر)، سمع ابن القاسم: لا أحب لأحد أن يترك الجمعة من دين عليه يخاف غرماءه، ابن رشد: إن كان عديماً وخاف أن يسجنه غرماؤه فقال سحنون: لا عذر له في التخلف، وفي ذلك نظر، لأنه يعلم من باطن أمره ما لو تحقق لم يجب عليه سجن، فهو مظلوم في الباطن محكوم عليه بحق في الظاهر، ونحو هذا للخمي. انتهى.
فمن هذه النصوص الفقهية لعلماء المذاهب الأربعة يتبين لنا جواز التخلف عن الجماعة والجمعة لمدين يخشى من غرمائه، وذلك بشرطين:
الأول: أن يكون معسراً حقيقة وإن لم يستطع إثبات إعساره للقاضي في الظاهر، لأن غرماءه إذا لازموه أو حبسوه في هذه الحالة كان ذلك ظلماً، ومخالفة لما أمر الله به من إنظار المعسر، قال الله تعالى: وإِنْ كان ذُو عُسْرةٍ فنظِرةٌ إِلى ميْسرةٍ [البقرة:280].
أما إذا كان المدين موسراً، فلا يجوز له التخلف، ولو استطاع التحايل حتى يثبت إعساره في الظاهر، بل الواجب عليه إن كان مستطيعاً أن يوفي غرماءه ولا يماطلهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم... متفق عليه.
الثاني: أن يكون الإيذاء الواقع على المدين المعسر من غرمائه حبس أو ملازمة، وما في معناهما، أما إذا كان مجرد المطالبة، أو الإلحاح فيها، فلا يجوز له التخلف أيضاً، لانتفاء الضرر في حقه.
والأصل في جعل ذلك من الأعذار قول النبي صلى الله عليه وسلم: من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر، قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض، لم تقبل منه الصلاة التي صلى. رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما، وصححه الألباني.
والخوف من الغريم داخل في عموم الحديث.
والله أعلم.









مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني