الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تخلف المسلمين جرَّاء انهزامهم أمام الغرب

السؤال

أجد مضايفات من أفراد عائلتي فهم يقولون إن المسلمين نائمون والأوروبيون متقدمون وهم يصنعون ونحن نستهلك وهم يصعدون للفضاء ونحن قاعدون وإن قطع يد السارق في الإسلام ورجم الزناة والزواني يعتبر وحشية فما ردكم على هذا الكلام وهو ليس كلام والدي بل كلام أحد الأقرباء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن أقرباءك هؤلاء إنما أتوا من جهة جهلهم بالله وحقه على العباد من إفراده بالعبادة وإسلام القلب والوجه له، وأتوا من جهة ظنهم أن الدنيا هي نهاية المطاف، وأن من حاز الدنيا فقد حاز كل شيء، ونسوا أن الخاسرين هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.

ولاشك أن المسلمين قد تخلوا عن دورهم الريادي في عمارة الأرض وعن الأخذ بالأسباب المادية للنجاح في الحياة، وفي المقابل فإن أصحاب الملل الأخرى قد توجهوا بكليتهم إلى الدنيا يعمرونها ويعبون منها عبا، ولا يأبهون لموت ولا بعث ولا حساب ولا جزاء.

وإن تخلي المسلمين عن دورهم في عمارة الأرض وانحطاطهم عن باقي الأمم مادياً، لا شأن للإسلام به، إذ إن المسلمين لو تمسكوا بهذا الدين ورعوه حق رعايته وقاموا بتكاليفه وتبعاته لكانوا في طليعة الأمم، وهذا ما حدث بالفعل إذ عاش المسلمون يسودون الدنيا قروناً، وكانوا أعز الناس، قال تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ {الأنبياء: 10}. قال ابن عباس: أي فيه شرفكم.

وقال سبحانه عن القرآن: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ {الزخرف: 44}.

أي: إن هذا القرآن فيه الشرف لك ولقومك، فدلت هذه الآيات أن عز المسلمين بتمسكهم بكتاب ربهم يقتدون به ويتخذونه منهجاً لحياتهم، ولقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمره لرسوله أمر لأمته بالتبع فقال: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {الزخرف: 43}. وقال أيضاً: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ {هود: 112}.

وإذا لم يمتثل المسلمون لهذا الأمر ونبذوا كتاب ربهم ولم يستمسكوا بالدين، ولم يستقيموا على أمر الله تخلفت عنهم شروط النصر، قال تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ {محمد: 7}. وقال أيضاً: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت: 69}.

وعلى ذلك، فينبغي أن تنبه أقرباءك للحقائق الغائبة عنهم، وأن الدنيا حقيرة، قليلة، ولا تساوي عند الله شيئاً، وأنها متاع الغرور، وأن الآخرة هي دار القرار، قال تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {آل عمران: 185}.

واصرفهم عن الانهزام أمام الغرب والكافرين، بل عليهم أن يحمدوا الله أن جعلهم مسلمين، ثم بشرهم بأن المستقبل لهذا الدين، وأن السناء والرفعة سيكونان لهذه الأمة، قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور: 55}.

وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن تميم الداري رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أم بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر. وكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية.

وقال صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون. رواه البخاري.

وانظر الفتوى رقم: 55038 . ولمزيد فائدة في هذا الموضوع أقرأ كتابا بعنوان: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين. لأبي الحسن الندوي.

وأما قول بعض أقربائك إن قطع يد السارق ورجم الزاني المحصن في الإسلام يعتبر وحشية، فصاحب هذا الكلام لا يعدو أن يكون أحد رجلين: إما أن يكون غير واع لما يقول، فهذا يعذر لعدم أهليته وعدم صحة عبارته، وإما أنه يعي ما يقول: فهذا يقال له إن هذا هو شرع الله الحكيم رب العالمين، وهذا هو حكمه في أصحاب هذه الجرائم، وإن من رضي بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً يجب عليه أن يستسلم لشرع الله، وأن يعتقد كماله وصلاحه وعدله، وبدون ذلك لا يكون الإنسان مسلماً، قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء: 65}.

هذا هو الذي يجب على المسلم أن ينظر إلى أحكام الله تعالى من خلاله، ومع ذلك فإن أحكامه كلها عدل ومبنية على الحكمة البالغة، والمصلحة التي ما بعدها إلا المفسدة المحضة، ومن ذلك الحدود التي شرعها الله تعالى زواجر لمن سولت له نفسه أن يعبث بأعراض الناس وأغراضهم، وانظر للأهمية الفتاوى التالية أرقامها: 24086، 2297، 17344.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني