الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأعمى.. وصلاة الجمعة والجماعة

السؤال

هل على الأعمى حرج في عدم الصلاة ولا يوجد أحد ليوصله للمسجد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالأعمى الذي لايجد من يقوده إلى المسجد ولايستطيع الوصول إليه بوسيلة أخرى فإنه يعتبر معذورا يباح له التخلف عن الجمعة والجماعة، ويصلي في بيته، ولاتسقط عنه الصلاة.

ففي الإنصاف للمرداوي وهوحنبلي :

لَا يُعْذَرُ أَيْضًا بِالْعَمَى إذَا وَجَدَ مَنْ يَقُودُهُ , وَقَالَ فِي الْفُنُونِ : الْإِسْقَاطُ بِهِ هُوَ مُقْتَضَى النَّصِّ , وَقَالَ فِي الْفُصُولِ : الْمَرَضُ وَالْعَمَى مَعَ عَدَمِ الْقَائِدِ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي حَقِّ الْمُجَاوِرِ فِي الْجَامِعِ , وَلِلْمُجَاوِرِ لِلْجَامِعِ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ , وَتَقَدَّمَ هَلْ يَلْزَمُهُ إذَا تَبَرَّعَ لَهُ مَنْ يَقُودُهُ أَوَّلَ الْفَصْلِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ , وَغَيْرِهِ : وَيَلْزَمُهُ إنْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَائِدِ , كَمَدِّ الْحَبْلِ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ .انتهى

وقال المواق في التاج والإكليل وهو مالكي:

تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يَجِدُ قَائِدًا وَلَا يَهْتَدِي لِلْوُصُولِ بِانْفِرَادِهِ يُبَاحُ لَهُ التَّخَلُّفُ. انتهى

وقال النووي في المجموع وهو شافعي متحدثا عن المسائل التي يختلف فيها الأعمى عن غيره من حيث الحكم الشرعي: لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَجِدْ قَائِدًا. انتهى.

والحديث الوارد في صحيح مسلم في شأن عبد الله بن أم مكتوم حمله جمهور أهل العلم على أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة للصلاة في بيته مع حصول فضل الجماعة له. قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: هَذَا الْأَعْمَى هُوَ ابْن أُمّ مَكْتُوم , جَاءَ مُفَسَّرًا فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره , وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَنْ قَالَ : الْجَمَاعَة فَرْض عَيْن . وَأَجَابَ الْجُمْهُور عَنْهُ بِأَنَّهُ سَأَلَ هَلْ لَهُ رُخْصَة أَنْ يُصَلِّي فِي بَيْته وَتَحْصُل لَهُ فَضِيلَة الْجَمَاعَة بِسَبَبِ عُذْره ؟ فَقِيلَ : لَا . وَيُؤَيِّد هَذَا أَنَّ حُضُور الْجَمَاعَة يَسْقُط بِالْعُذْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ , وَدَلِيله مِنْ السُّنَّة حَدِيث عِتْبَانَ بْن مَالِك الْمَذْكُور بَعْد هَذَا . وَأَمَّا تَرْخِيص النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَدُّهُ , وَقَوْله : فَأَجِبْ , فَيَحْتَمِل أَنَّهُ بِوَحْيٍ نَزَلَ فِي الْحَال , وَيَحْتَمِل أَنَّهُ تَغَيَّرَ اِجْتِهَاده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَقَوْل الْأَكْثَرِينَ إِنَّهُ يَجُوز لَهُ الِاجْتِهَاد , وَيَحْتَمِل أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُ أَوَّلًا وَأَرَادَ أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْك الْحُضُور إِمَّا لِعُذْرٍ وَإِمَّا لِأَنَّ فَرْض الْكِفَايَة حَاصِل بِحُضُورِ غَيْره , وَإِمَّا الْأَمْرَيْنِ , ثُمَّ نَدَبَهُ إِلَى الْأَفْضَل فَقَالَ : الْأَفْضَل لَك وَالْأَعْظَم لِأَجْرِك أَنْ تُجِيب وَتَحْضُر فَأَجِبْ . وَاللَّهُ أَعْلَم . انتهى

وعليه.. فالأعمى إذالم يستطع الوصول إلى المسجد بقائد أو بوسيلة أخرى كحبل يشده يمده من بيته إلى المسجد سقط عنه السعي إلى المسجد لصلاة الجمعة والجماعة ويصلي في بيته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني