الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تصرف الموظف في مال مؤسسة تقوم على الأيتام

السؤال

رجل كان يعمل في إحدى المؤسسات الخيرية التي تقوم على الأيتام وبناء المساجد وحفر الأبار وغيرها من أعمال البر في القسم المالي، سقط قبل نحو خمس سنوات في فهم خاطئ حيث كانت ترد المبالغ للمؤسسة بالدولار ويحولها إلى عملة البلد المحلية فرأى بأن يجمع الفارق بين ما يسمى السعر الدفتري وسعر السوق ويستغله في أعمال خير أخرى بعيدا عن مشاريع المؤسسة وبعيدا عن اطلاع المسؤولين، فتمكن من جمع ما مقداره 7000 دولار، أراد أن يستثمر هذا المبلغ ليزيده وبالتالي يقوم بأعمال خير أكثر وقد يستفيد من الأرباح لنفسه كذلك، المشكلة أنه منذ خمس سنوات دفع المبلغ (7000$) كرأس مال للاستثمار في أحد المشاريع كمضاربة، غير أن المضارب القائم على المشروع فشل مشروعه ويتهرب من مواجهة صاحب رأس المال (تجاوزا) ويريد الأخير أن يصفي الموضوع وينهي الأمر بأي شكل ولكن المضارب متهرب، فماذا على الرجل أن يفعل تجاه هذا المبلغ الذي لا يملكه واستثمره، مع العلم بأنه ترك منذ سنوات العمل مع المؤسسة الخيرية ويعمل الآن لدى جهة أخرى وبعمل بعيد عن المال والحسابات، فهل عليه أن يسدد المبلغ للمؤسسة الخيرية نفسها حتى ولم يسترجعه من المشروع، أم بالإمكان دفع المبلغ أو تقسيمه على عدة مشاريع خيرية أخرى بمعرفته أو عن طريق مؤسسات خيرية أخرى، كما أشير بأن الرجل يعيل مجموعة من اقاربه ( أم، وأخوات وأخ وعائلة الأخ)، كما أنه أقرض أحد أقاربه مبلغا آخر يعادل نحو 8000$ ولا يرجو سداده في المنظور القريب، الرجل يعتبر نفسه أخطأ ويريد أن يتوب إلى الله توبة نصوحا، ووضعه النفسي تعبان لأجل هذا الأمر، وللعلم هو لا يملك مبلغا يوازي المبلغ المذكور ولكنه يتقاضى راتبا جيدا، انفعونا نفعكم الله وسدد خطاكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن المعلوم أن فارق الصرف في مثل الحالة المسؤول عنها يعتبر من جملة المال المجموع للأغراض المذكورة، وعليه فهذا الرجل الذي ذكرت من أمره ما ذكرت، قد أخطأ خطأ كبيراً بما وقع فيه من سوء التصرف فيما وقع تحت يده من المال، وخصوصاً أن من بين المال الذي شمله هذا التصرف ما هو مخصص للأيتام، وقد حذر الشرع الحكيم تحذيراً شديدا من مال اليتيم، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {النساء:10}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. متفق عليه.

ولا فرق في الإثم بين أن يأكل المرء مال اليتيم أو يفوت عليه الانتفاع به بطريق آخر، فمن واجب هذا الرجل أن يتوب من هذا الإثم الذي وقع فيه، ومن تمام توبته أن يرد جميع الأموال إلى المؤسسة القائمة عليها، لأنه تعدى على أمانته، والمتعدي ضامن كما هو معلوم، ولما رواه أبو داود والترمذي عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه.

وما أشرت إليه من أن هذا الرجل يعيل مجموعة من أقاربه، وأنه ترك منذ سنوات العمل مع المؤسسة الخيرية، وأنه أقرض أحد أقاربه مبلغاً آخر يعادل نحو 8000 ولا يرجو سداده في المنظور القريب كلها أمور لا تغير من الحكم شيئاً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني