الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

آية (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ) وعلاقتها بالوسواس القهري

السؤال

هل تعتبر الآية في سورة البقرة رقم 155-157لها علاقة بالوسواس القهري؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فلا شك أن الوسواس القهري مرض يعتري المرء، يأتي له بصورة أفعال وأفكار تتسلط على المريض وتضطره لتكرارها، وإذا لم يكرر الفعل أو لم يتسلسل مع الفكرة يشعر المريض بتوتر، ولا يزول هذا التوتر إلا إذا كرر الفعل، وتسلل مع الفكرة.

وبعد أن يطاوع الوسواس يعاوده الدافع للفعل ثانية، ولا يزول المرض بهذا بل يتمكن منه، ولا شك أن المرض نوع من البلاء، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء: 35}.

والابتلاء بالمرض يدخل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري ومسلم. ومعنى (الوصب): المرض.

وفي هذا الحديث بيان أن الابتلاء يكفر الله به الخطايا، وقد أرشدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى الصبر في الضراء، والشكر في السراء، فقال: عجباً لأمر المؤمن: إن أمره كله خير. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.

ومن هنا؛ فإننا ننصح من ابتلي بهذا بالمرض أو غيره بالصبر لقضاء الله وقدره، ولا يخفى أن الرضا بقضاء الله وقدره من أركان الإيمان الستة الواردة في حديث جبريل لما سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان فقال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى. رواه البخاري ومسلم.

وإذا أردت مزيداً من التفصيل حول الوسواس القهري فإننا نحيلك إلى الفتوى: 3086. فارجع إليه إن شئت. مع العلم بأن الصبر لا يتنافى مع الأخذ بأسباب العلاج والشفاء. نسأل الله لك الشفاء.

أما الآية التي سألت عنها وهي: قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {البقرة: 155}، فقد بين الله -سبحانه وتعالى- فيها بعض أنواع البلاء التي يبتلي بها عباده، ثم جاء الثناء على الصابرين عند المصائب عامة الذين يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون.

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده: أي يختبرهم ويمتحنهم، كما قال تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم)، فتارة بالسراء، وتارة بالضراء من خوف وجوع… و (نقص من الأموال) أي: ذهاب بعضها، (والأنفس) بموت الأصحاب والأقارب والأحباب. اهـ.

قال -أيضاً-: وقد حكى بعض المفسرين أن المراد بنقص الأموال: الزكاة، والأنفس: الأمراض، والثمرات: الأولاد. وفي هذا نظر. والله أعلم. (تفسير ابن كثير1/259).

ولذلك؛ فإننا اخترنا لك أدلة أخرى أصرح من هذه الآية، تبين أن المرض من البلاء الذي يكفر الله به الخطايا عند الصبر والاحتساب، كما تقدم في الجواب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني