الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين أحاديث الفتن والاعتزال وبين القيام بواجب الدعوة

السؤال

حديثان لرسول الله، الأول: كيف أنت إذا كثر الهرج والمرج واختلط الناس وصاروا هكذا -وشبك بين يديه- فقلت فبم تنصحني يا رسول الله، قال: الزم بيتك وأملك عليك لسانك وعليك بخاصة أمرك ودع عنك أمر العامة.
الثاني: (نسيت بعض ألفاظه) "يأتي على الناس زمان.... ويشهق البنيان ويكثر الحلف ويفشو الزنا.... فالنجاة النجاة فقلنا وكيف يكون ذلك يا رسول الله قال كن حلسا من أحلاس بيتك حتى يأتيك الموت. هل الحديثان ينطبقان على عصرنا أم العقود الماضية لأن اليوم هناك ظاهرة جديدة لم تكن توجد من قبل فإلى جانب الحثالة هناك جيل من الصحوة الإسلامية بالتوازي معهم ألا نستثمر فيهم إن كان الحديثان ينطبقان على عصرنا فهما يعطيان صورة قاتمة وكفيلان بتثبيط عزيمة أي كان يريد أن يفعل شيئا لنصرة الدين نعم فإن كان رسول الله أمرنا بلزوم بيتنا وانتظار الموت فمعناه أن أي استثمار في جيل الصحوة الإسلامية مآله الفشل فلا داعي لا للدعوة لله ولا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا في إنشاء الفضائيات الإسلامية ولا في عقد الأمل في الأجيال القادمة أليس كذلك، كيف توفقون بين الشيوخ الذين يقولون إننا سنسأل كلنا يوم القيامة ماذا قدمنا للإسلام وبين الحديثين الذين يأمراننا بالقعود في بيوتنا وانتظار الموت؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الحديث الأول رواه أحمد في المسند وأبو داود والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ قريب من هذا قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة فقال: إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا -وشبك بين أصابعه- قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك، وأملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة.

وأما الحديث الثاني فروى مسلم بعضه بلفظ: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنا ويشرب الخمر ويذهب الرجال وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد. وفي كنز العمال عن ابن مسعود موقوفاً ومرفوعاً قال: إنه سيأتي على الناس زمان تمات فيه الصلوات وتشرف فيه البنيان ويكثر فيه الحلف والتلاعن ويفشو فيه الرشا والزنا وتباع الآخرة بالدنيا، فإذا رأيت ذلك فالنجاء النجاء. قيل: وكيف النجاء؟ قال: كن حلسا من أحلاس بيتك، وكف لسانك ويدك.

هذه الأحاديث والآثار وما أشبهها لا تنطبق على هذا العصر قطعاً بصفة عامة؛ وإن كانت قد تنطبق على بعض بيئاته أو بعض الأزمنة السابقة أو اللاحقة.

أما هذا العصر الذي انتشرت فيه الصحوة الإسلامية وأصبح الإسلام موضع اهتمام من كل العالم واقتنع به علماء وقادة ومفكرون وساسة... وأثبت جدارته وقوة منطقه وتلبيته لحاجات الناس المادية والروحية في كل زمان ومكان، فإن واجب المسلم الآن هو أن ينهض ويقوم بواجبه الذي فرضه الله تعالى عليه في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: فقال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. متفق عليه.

فعلى المسلم اليوم أن ينضم إلى ركب دعاة الإسلام بل عليه أن يكون في طليعتهم، شعاره قول الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33}، ولا يجوز له أن يكون حيادياً أو سلبياً في هذا العصر الذي توفرت فيه أنواع من الحريات النسبية وتمايز فيه الناس بين الحق والباطل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم. رواه أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط، وقال: رجاله رجال الشيخين. وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز... رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل. أخرجه أحمد في المسند وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.

وفي هذا العصر الذي توفرت فيه كل الوسائل التي يمكن لكل واحد منا استخدامها بطريقته الخاصة يمكن للمسلم أن يوصل الإسلام ويبلغه لكل بيت مدر أو وبر عبر وسائل الاتصال المختلفة.

والحاصل أنه لا تعارض بين الأحاديث المذكورة وبين ما يحث عليه الشيوخ من القيام بالواجب من دعوة الناس إلى الخير وحثهم على التمسك بدينهم امتثالاً لأمر الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104}، وأما الأحاديث فقد جاءت لإرشاد المسلم في حالة استثنائية خاصة -أشرنا إلى بعضها- ولا ينبغي تعميمها، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة والتفصيل والأدلة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 62938، 22163، 71265 وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني