1855 - حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر الحافظ ، قال : حدثنا قال : حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، قال : كتب عبد الله بن صالح ، إلى الأوزاعي صالح بن بكر : أما بعد : " فقد بلغني كتابك تذكر فيه أن الكتب قد كثرت في الناس ، ورد الأقاويل في القدر بعضهم على بعض ، حتى يخيل إليكم أنكم قد شككتم فيه ، وتسألني أن أكتب إليك بالذي استقر عليه رأيي وأقتصر في المنطق ، ونعوذ بالله من التحير من ديننا ، واشتباه الحق والباطل علينا ، وأنا أوصيك بواحدة ، فإنها تجلو الشك عنك وتصيب بالاعتصام بها سبيل الرشد إن شاء الله تعالى ، فإنك حينئذ منه في سعة ، وإن كانوا اجتمعوا منه على أمر واحد لم يشذ عنه منهم أحد ، فأين المذهب عنهم ، فإن الهلكة في خلافهم ، وأنهم لم يجتمعوا على شيء قط ، فكان الهدى في غيره وقد أثنى الله عز وجل على أهل القدوة بهم ، فقال تنظر إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر ؛ فإن كانوا اختلفوا فيه ، فخذ بما وافقك من أقاويلهم ، والذين اتبعوهم بإحسان ، واحذر كل متأول للقرآن على خلاف ما كانوا [ ص: 255 ] عليه منه ومن غيره ، فإن من الحجة البالغة أنهم لا يقتدون برجل واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك هذا الجدل ، فجاء معهم عليه وقد أدركه منهم رجال كثير ، فتفرقوا عنه ، واشتدت ألسنتهم عليه فيه ، وأنت تعلم أن فريقا منهم قد خرجوا على أئمتهم ، فلو كان هدى لم يخرجوا ، ولم يجتمع من بقي منهم ، ألفه فيه واحدة دون جماعة أمتهم ، فإن الولاية في الإسلام دون الجماعة فرقة ، فأقر بالقدر ، فإن علم الله عز وجل الذي لا يجاوزه شيء ثم لا تنقضه بالاستطاعة فتمهل ؛ فإنه لن يخرج رجل في الإسلام إلى فرط أعظم من الهمل ، وذلك أن المؤمن لا يضيف إلى نفسه شيئا من قدر الله عز وجل في خير يسوقه إليها ولا شر يصرفه عنها ، وإنما ذلك بيد الله ولا يملكه أحد غير الله ، فمن أراد الله به خيرا وفقه لما يحب وشرح صدره ، ومن أراد به شرا وكله إلى نفسه ، واتخذ الحجة عليه ثم عذبه غير ظالم له . أسأل الله لنا ولكم العصمة من كل هلكة ومزلة ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " .