فصل :
264 - ذكر ، عن سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثقفي ، قال : أراشة بإبل له مكة ، فابتاعها منه أبو جهل بن هشام ، فمطله بأثمانها ، فأقبل الأراشي حتى وقف على ناد من قريش ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في ناحية المجلس ، فقال : يا معشر قريش ، من رجل يوديني على أبي الحكم بن هشام ؟ فإني غريب ابن سبيل ، وقد غلبني على حقي ، فقال أهل المجلس : ترى ذلك الرجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهم يهزؤون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة ، اذهب إليه ، فإنه يوديك عليه ، قال : فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا عبد الله ، إن أبا الحكم بن هشام غلبني على حق لي قبله ، وأنا غريب ابن سبيل ، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يوديني عليه ليأخذني لي حقي منه ، فأشاروا إليك ، فخذ لي حقي منه ، يرحمك الله ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه ، فلما رآه أهل المجلس قام معه ، قالوا لرجل ممن كان معهم : اتبعه ، وانظر ماذا يصنع ؟ قال : وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءه ، فضرب عليه بابه ، فقال : من هذا ؟ قال : محمد ، فاخرج إلي ، فخرج إليه ، وما في وجهه رائحة ، ولقد انتقع لونه ، قال : أعط هذا الرجل حقه ، قال : لا تبرح حتى أعطيه الذي له ، قال : فدخل ، فخرج إليه بحقه ، فدفعه [ ص: 197 ] إليه ، ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال للأراشي : الحق بشأنك ، فأقبل الأراشي حتى وقف بذلك المجلس ، فقال : جزاه الله خيرا ، فقد والله أخذ لي الذي لي ، وجاء الرجل الذي بعثوا معه ، فقص عليهم القصة ، ثم لم يلبثوا أن جاء أبو جهل ، فقالوا : ويلك ، ما لك ما رأينا مثل ما صنعت قط ؟ قال : ويحكم ، ما هو والله إلا أن ضرب علي بابي ، وسمعت صوته ، فملئت رعبا ، ثم خرجت إليه ، وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ، ولا قصرته ، ولا أنيابه لفحل قط ، والله لو أبيت لأكلني . قدم رجل من
قال الإمام - رحمه الله - : أراشة : قبيلة ، والنادي : المجلس ، وقوله : يوديني ، أي : يعينني ، يقال : آداه عليه يوديه ، أي : قواه ، وأعانه عليه ، وانتقع لونه ، أي : تغير ، والقصرة : أصل العنق .