الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فورب السماء والأرض  

                                                                                                                                                                                                                                      أقسم عز وجل بنفسه: أن الذي قلت لكم لحق مثل ما أنكم تنطقون. وقد يقول القائل:

                                                                                                                                                                                                                                      كيف اجتمعت ما، وأن وقد يكتفى بإحداهما من الأخرى؟  وفيه وجهان: أحدهما : أن العرب تجمع بين الشيئين من الأسماء والأدوات إذا اختلف لفظهما، فمن الأسماء قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      من النفر اللائي الذين إذا هم يهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا



                                                                                                                                                                                                                                      فجمع بين اللائي والذين، وأحدهما مجزئ من الآخر.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما في الأدوات فقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 85 ]

                                                                                                                                                                                                                                      ما إن رأيت ولا سمعت به     كاليوم طالي أينق جرب



                                                                                                                                                                                                                                      فجمع بين ما، وبين إن، وهما جحدان أحدهما يجزي من الآخر.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الوجه الآخر، فإن المعنى لو أفرد بما لكان كأن المنطق في نفسه حق لا كذب: ولم يرد به ذلك. إنما أرادوا أنه لحق كما حق أن الآدمي ناطق.

                                                                                                                                                                                                                                      ألا ترى أن قولك أحق منطقك معناه: أحق هو أم كذب؟ وأن قولك: أحق أنك تنطق؟ معناه: أللإنسان النطق لا لغيره. فأدخلت أن ليفرق بها بين المعنيين، وهذا أعجب الوجهين إلي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد رفع عاصم والأعمش (مثل) ونصبها أهل الحجاز والحسن ، فمن رفعها جعلها نعتا للحق ومن نصبها جعلها في مذهب المصدر كقولك: إنه لحق حقا. وإن العرب لتنصبها إذا رفع بها الاسم فيقولون: مثل من عبد الله؟ ويقولون: عبد الله مثلك، وأنت مثله. وعلة النصب فيها أن الكاف قد تكون داخلة عليها فتنصب إذا ألقيت الكاف. فإن قال قائل: أفيجوز أن تقول: زيد الأسد شدة، فتنصب الأسد إذا ألقيت الكاف؟ قلت: لا وذلك أن مثل تؤدي عن الكاف والأسد لا يؤدي عنها ألا ترى قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      وزعت بكالهراوة أعوجي     إذا ونت الركاب جرى وثابا



                                                                                                                                                                                                                                      أن الكاف قد أجزأت من مثل، وأن العرب تجمع بينهما فيقولون: زيد كمثلك، وقال الله جل وعز: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، واجتماعهما دليل على أن معناهما واحد كما أخبرتك في ما وإن ولا وغيره [ ص: 86 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية