( الفصل الثاني ) : في تحريم ، وتحريم القول على الله بلا علم . الإفتاء في دين الله بما يخالف النصوص
قال تعالى : قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( الأعراف 33 ) وقال تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ( الأحزاب 36 ) وقال تعالى : ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ( الإسراء 36 ) وقال تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم ( الحجرات 1 ) وقال تعالى : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ( النساء 105 ) .
وقال تعالى : اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ( الأعراف 3 ) وقال تعالى : إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين ( الأنعام 57 ) وقال : له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا ( الكهف 26 ) وقال تعالى : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( المائدة 44 ) [ ص: 1219 ] ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ( المائدة 47 ) ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ( المائدة 47 ) وقال تعالى : وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين ( الأنعام 156 ) الآيات ، وقال تعالى : وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ( الزخرف 44 ) .
وفي الصحيح ، عن - رضي الله عنه - قال : ابن مسعود بالمدينة ، وهو يتوكأ على عسيب ، فمر بنفر من اليهود ، فقال بعضهم : سلوه عن الروح ، وقال بعضهم : لا تسألوه لئلا يسمعكم ما تكرهون ، فقاموا إليه فقالوا : يا أبا القاسم ، حدثنا عن الروح ، فقام ساعة ينظر ، فعرفت أنه يوحى إليه ، فتأخرت عنه حتى صعد الوحي ، ثم قال : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( الإسراء 85 ) . كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حرث
وفيه من حديث - رضي الله عنهما - في قصة المتلاعنين لما جاءت به على النعت المكروه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : ابن عباس . لولا ما مضى من كتاب الله ، لكان لي ولهما شأن
وفيه جابر - رضي الله عنه - قال : مرضت فجاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني وأبو بكر ، وهما ماشيان ، فأتاني ، وقد أغمي علي ، فتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ثم صب وضوءه علي ، فأفقت فقلت : يا رسول الله ، كيف أقضي في مالي ؟ كيف أصنع في مالي ؟ قال : فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث . عن
[ ص: 1220 ] وعلى هذا ترجم - رحمه الله تعالى : باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل مما لم ينزل عليه الوحي ، فيقول : لا أدري ، أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي ، ولم يقبل برأي ولا بقياس ; لقوله تعالى : البخاري بما أراك الله ) الآية ، وترجم - رحمه الله تعالى : باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس ولا تقف ما ليس لك به علم ( الإسراء 36 ) ثم ذكر فيه حديث عبد الله بن عمر ، وقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : . إن الله تعالى لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعا ، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم ، فيبقى ناس جهال يستفتون برأيهم ، فيضلون ويضلون
وحديث قال : يا أيها الناس ، اتهموا رأيكم على دينكم ، لقد رأيتني يوم سهل بن حنيف ، لو أستطيع أن أرد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرددته . الخبر . أبي جندل
وفي خطبه - صلى الله عليه وسلم - ما لا يحصى أن يقول : محمد - صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة . أما بعد ، فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وإن أفضل الهدي هدي
وروى أبو داود ، عن يزيد بن عميرة ، وكان من أصحاب قال : كان لا يجلس مجلسا للذكر حين يجلس إلا قال : الله حكم قسط ، هلك المرتابون . فقال معاذ بن جبل يوما : إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ، ويفتح فيها القرآن ، حتى يأخذه المؤمن والمنافق ، والرجل والمرأة ، والصغير والكبير ، والعبد والحر ، فيوشك قائل يقول : ما للناس لا يتبعوني ، وقد قرأت القرآن ؟ ما هم بمتبعي حتى أبدع لهم غيره ، فإياكم وما ابتدع ، فإن ما ابتدع ضلالة ، وأحذركم زيغة الحكيم ، [ ص: 1221 ] فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم ، وقد يقول المنافق كلمة الحق . قال قلت معاذ بن جبل لمعاذ : ما يدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة ، وأن المنافق قد يقول كلمة الحق ؟ قال : بلى اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها ما هذه ، ولا يثنيك ذلك عنه ، فإنه لعله أن يراجع ، وتلق الحق إذا سمعته ، فإن على الحق نورا .
وله من طرق عن قال : كتب رجل إلى سفيان الثوري سأله عن القدر ، فكتب : أما بعد ، أوصيك بتقوى الله ، والاقتصاد في أمره ، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون بعدما جرت به سنته وكفوا مؤنته ، فعليك بلزوم السنة ، فإنها لك بإذن الله عصمة ، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى ما هو دليل عليها أو عبرة فيها ; فإن السنة إنما سنها من قد علم ، أما في خلاف من الخطأ والزلل والحمق والتعمق ، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم ، فإنهم على علم وقعوا ، وببصر نافذ كفوا ، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى ، وبفضل ما كانوا فيه أولى ، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقوكم إليه ، ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ، ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ، ورغب بنفسه عنهم ، فإنهم هم السابقون ، فقد تكلموا فيه بما يكفي ، ووصفوا منه ما يشفي ، فما دونهم من مقصر ، وما فوقهم من محسر ، وقد قصر قوم من دونهم فجفوا ، وطمح عليهم أقواما فغلوا ، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم . كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر ، فعلى الخبير بإذن الله وقعت ، ما أعلم ما أحدث الناس من محدثة ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أثرا ، ولا أثبت أمرا من الإقرار بالقدر . لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء ، لا يتكلمون به في كلامهم وفي شعرهم يعزون به أنفسهم على ما فاتهم ، ثم لم يزده الإسلام بعد إلا شدة . ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث ولا حديثين ، وقد سمعه منهم المسلمون ، فتكلموا به في حياته ، وبعد وفاته يقينا وتسليما لربهم ، وتضعيفا لأنفسهم أن يكون شيء لم [ ص: 1222 ] يحط به علمه ، ولم يحصه كتابه ، ولم يمض به قدره ، وإنه مع ذلك لفي محكم كتابه ، منه اقتبسوه ، ومنه تعلموه ، ولئن قلتم لم أنزل الله آية كذا ، ولم قال كذا ؟ لقد قرءوا ما قرأتم ، وعلموا من تأويل ما جهلتم ، وقالوا بعد ذلك كله : بكتاب وقدر ، وكتبت الشقاوة ، وما يقدر يكن ، وما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا ، ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا . عمر بن عبد العزيز
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا .