بيان جملة أخرى من : آدابه وأخلاقه
مما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ما ضرب بيده أحدا قط إلا أن يضرب بها في سبيل الله تعالى ، وما انتقم من شيء صنع إليه قط إلا أن تنتهك حرمة الله ، وما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم فيكون أبعد الناس من ذلك ، وما كان يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته ، وقال " أنس " رضي الله عنه : " والذي بعثه بالحق ما قال لي في شيء قط كرهه لم فعلته ولا لامني نساؤه إلا قال دعوه إنما كان هذا بكتاب وقدر " . وكان من خلقه أن يبدأ من لقيه بالسلام . ومن قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، وكان إذا لقي أحدا من أصحابه بدأه بالمصافحة ، وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله . وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه فقال : " ألك حاجة " ؟ ولم يكن يعرف مجلسه من مجلس أصحابه لأنه كان حيث انتهى به المجلس جلس ، وكان يكرم من دخل عليه حتى ربما بسط له ثوبه يجلسه عليه ، وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته ، وكان يعطي كل من جلس إليه نصيبه من وجهه حتى كأن مجلسه وسمعه وحديثه ولطيف مجلسه وتوجهه للجالس إليه ، ومجلسه مع ذلك حياء وتواضع وأمانة ، قال تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) [ آل عمران : 159 ] ولقد كان يدعو أصحابه بكناهم إكراما لهم واستمالة لقلوبهم ويكني من لم تكن له كنية فكان يدعى بما كناه بها ، ويكني أيضا النساء اللاتي لهن الأولاد واللاتي لم يلدن ، ويكني أيضا الصبيان فيستلين به قلوبهم ، وكان أبعد الناس غضبا وأسرعهم رضاء ، وكان أرأف الناس بالناس وخير الناس للناس [ ص: 168 ] وأنفع الناس للناس . ولم تكن ترفع في مجلسه الأصوات ، وكان إذا قام من مجلسه قال : " " . سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك