( تنبيه ) : قيل : يدل لعدم الحنث قوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) ، فإن أحد الأقوال في تفسير اللغو أنه الحلف على الشيء يرى أنه كذلك ثم يتبين خلافه ، فلا إثم فيه ولا كفارة . قلت : الجواب عنه من وجهين ، أحدهما : أن الأصح المعتمد في تفسير الآية أنها فيما سبق إلى اللسان من غير قصد اليمين ، روينا هذا التفسير بأسانيد صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا ، وعن ( ابن عباس موقوفا ، كما أسندته في كتاب ترجمان القرآن ، وهو التفسير المسند ، وعليه أكثر المفسرين من السلف وغيرهم ، منهم وعائشة مجاهد وعكرمة والشعبي وأبو قلابة وأبو صالح وطاوس وخلائق . والنخعي
ونقله في أحكام القرآن عن تفسير ابن العربي ، وذهب آخرون وهو رواية عن الشافعي إلى أنه فيمن ابن عباس ، فأمر الله أن يكفر يمينه ويأتي الذي هو خير ، هكذا أخرجه حلف على أمر على أن لا يفعله ، فيرى الذي هو خير منه من طريق ابن جرير علي بن أبي طلحة عن ، وهو أصح الطرق عنه في التفسير ، واستفدنا منها أن نفي المؤاخذة في الآية خاص بالإثم دون الكفارة ، وذهب آخرون إلى أن الآية في ابن عباس فيحنث ويكفر . أخرج ذلك الحلف على فعل حرام أو ترك واجب عن ابن جرير سعيد بن جبير وصرحا بأن نفي المؤاخذة خاص بالإثم دون الكفارة ، وذهب آخرون إلى أنها فيمن حلف على الشيء أن يفعله فينسى . وسعيد بن المسيب
الوجه الثاني : أن القول بأنها فيمن . أخرجه حلف على الشيء يظن أنه كذلك ، فإذا هو غيره عن ابن جرير أبي هريرة بإسنادين [ ص: 246 ] ضعيفين ، وأخرجه عن جماعة من التابعين ، ثم هم ثلاث فرق : فرقة سكتت عن وجوب الكفارة وعدمه ، وفرقة صرحت بوجوبها ، وفرقة صرحت بعدمه ، فالاستدلال بقول هذه الفرقة معارض بقول الفرقة الأخرى ، ويؤيد ذلك أشياء ، منها أن نفي المؤاخذة إنما ينصب على الإثم دون الكفارة بدليل ( وابن عباس ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) ومعلوم أن الكفارات والغرامات غير داخلة في ذلك ، ومنها أن هذا التفسير اختاره مالك كما نقله عنه في أحكامه مع أن مذهبه في المسألة وقوع الطلاق ، فدل على أن الآية ليست دالة على خلاف ذلك ، ومنها أن في الآية ما يدل على وجوب الكفارة مع عدم المؤاخذة وهو قوله ( ابن العربي فكفارته إطعام ) إلى آخره ، فإن وغيره قالوا : إن الضمير راجع إلى لغو اليمين الذي لا مؤاخذة فيه ، شرعت فيه الكفارة جبرا ، وذهبوا إلى أن قوله تعالى : ( ابن عباس ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) ، و ( بما عقدتم الأيمان ) في اليمين الغموس ، وأنها لا كفارة فيها تغليظا عليه وهو مذهب جماعة من العلماء ، ورأي عندنا جار في القتل عمدا ، فلم يجعل هؤلاء فيه الكفارة تغليظا وخصوصا بقتل الخطأ ، وكذلك ترك الصلاة والصوم عمدا ، قال هؤلاء : لا قضاء فيه تغليظا ، وترك أبعاض الصلاة عمدا ، قالوا أيضا : لا يجبر بالسجود ، والقائلون بالكفارة في اليمين الغموس وهو المعظم استدلوا بالقياس على غيرها ؛ لأنها أولى بالجبر كما استدلوا بذلك في القتل وما ذكر معه ، فإذا ثبت وجوب الكفارة في اللغو المفسر بالخطأ على هذا التقرير من رجوع الضمير إلى اللغو ، ويحرر ذلك على مذهب من يرى وجوب الكفارة في اليمين الغموس ومن لا يراه . فإن قيل : الضمير يرجع إلى أقرب مذكور . قلنا : ليس هذا بدائم ولا غالب بل تارة كذا وتارة بخلافه ، خصوصا إذا ورد التفسير بذلك من أصح الطرق عن الذي هو ترجمان القرآن وحبر الأمة وإمام العرب وتابعه فيه أئمة التابعين . ابن عباس
( تنبيه ) قيل : يدل لعدم الحنث قوله تعالى : ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ) قلت : لا دلالة فيه لأوجه :
أحدها : أن جماعة قالوا : الآية مخصوصة بنسبة زيد إلى محمد ، وهو السبب الذي نزلت فيه الآية ، وهذا على رأي من يقول : العبرة بخصوص [ ص: 247 ] السبب لا بعموم اللفظ .
الثاني : على اعتبار العموم اتفق المفسرون أو أكثرهم على تفسير الخطأ في الآية بما كان من غير قصد ، فعلى هذا إنما يصح الاستدلال بالآية على ما سبق إليه اللسان من الأيمان ، فهو كقوله تعالى : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) على أصح الأقوال فيه ، ولهذا عقبه بقوله : ( ولكن ما تعمدت قلوبكم ) كما قال هناك : ( ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) .
الثالث : على تقدير تسليم أن المراد بالخطأ ما هو أعم من ذلك أن الآية دالة على نفي الإثم فقط ؛ لأنه معنى الجناح ، قال الجوهري في الصحاح : الجناح ، بالضم : الإثم ، هذه عبارته ، ولا يلزم من نفي الإثم نفي الكفارة ، ألا ترى أن القاتل خطأ عليه الكفارة إجماعا ، وكذا الجاني في الإحرام بإزالة شعر أو نحوه خطأ ، ومن ظن أن وقوع الطلاق وكفارة اليمين من باب خطاب التكليف لا الوضع ، فقد أبعد ، وليت شعري ما يقول المحتج بعموم هذه الآية فيمن صلى بنجاسة جاهلا ، فإن قال : لا تلزمه الإعادة أخذا بعمومها ، فقد خالف مذهب ، وإن قال ألزمه الإعادة ولا أقيده بجهله إلا عدم الإثم ، فقد سلم ما قلناه . الشافعي