الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله : ( وتوفنا مع الأبرار ) ففيه بحثان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الأبرار جمع بر أو بار ، كرب وأرباب ، وصاحب وأصحاب .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : ذكر القفال في تفسير هذه المعية وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن وفاتهم معهم هي أن يموتوا على مثل أعمالهم حتى يكونوا في درجاتهم يوم القيامة ، قد يقول الرجل أنا مع الشافعي في هذه المسألة ، ويريد به كونه مساويا له في ذلك الاعتقاد .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : يقال : فلان في العطاء مع أصحاب الألوف ، أي هو مشارك لهم في أنه يعطي ألفا .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أن يكون المراد منه كونهم في جملة أتباع الأبرار وأشياعهم ، ومنه قوله : ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ) [ النساء : 69 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : احتج أصحابنا على حصول العفو بدون التوبة بهذه الآية أعني قوله تعالى حكاية عنهم : ( فاغفر لنا ذنوبنا ) والاستدلال به من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنهم طلبوا غفران الذنوب ولم يكن للتوبة فيه ذكر ، فدل على أنهم طلبوا المغفرة مطلقا ، ثم إن الله تعالى أجابهم إليه لأنه قال في آخر الآية : ( فاستجاب لهم ربهم ) [ آل عمران : 195 ] وهذا صريح في أنه تعالى قد يعفو عن الذنب وإن لم توجد التوبة .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : وهو أنه تعالى حكى عنهم أنهم لما أخبروا عن أنفسهم بأنهم آمنوا ، فعند هذا قالوا : فاغفر لنا ذنوبنا ، والفاء في قوله : ( فاغفر ) فاء الجزاء ، وهذا يدل على أن مجرد الإيمان سبب لحسن طلب المغفرة من الله ، ثم إن الله تعالى أجابهم إليه بقوله : ( فاستجاب لهم ربهم ) فدلت هذه الآية على أن مجرد الإيمان سبب لحصول الغفران ، إما من الابتداء وهو بأن يعفو عنهم ولا يدخلهم النار أو بأن يدخلهم النار ويعذبهم مدة ثم يعفو عنهم ويخرجهم من النار ، فثبت دلالة هذه الآية من هذين الوجهين على حصول العفو .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في حق أصحاب الكبائر مقبولة يوم القيامة ، وذلك لأن هذه الآية دلت على أن هؤلاء المؤمنين طلبوا من الله غفران الذنوب مطلقا من غير أن قيدوا ذلك بالتوبة ، فأجاب الله قولهم وأعطاهم مطلوبهم فإذا قبل شفاعة المؤمنين في العفو عن الذنب ، فلأن يقبل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيه كان أولى .

                                                                                                                                                                                                                                            النوع الرابع : من دعائهم :

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية