( 3431 ) فصل : فإن ، نظرت ; فإن اتفق المفلس والغرماء على قلع الغراس والبناء ، فلهم ذلك ; لأن الحق لهم ، لا يخرج عنهم ، فإذا قلعوه ، فللبائع الرجوع في أرضه ; لأنه وجد متاعه بعينه كان المبيع أرضا فبناها المشتري ، أو غرسها ، ثم أفلس ، فأراد البائع الرجوع في الأرض
قال أصحابنا ، ويستحق الرجوع قبل القلع ، وهو مذهب ويحتمل أن لا يستحقه حتى يوجد القلع ; لأنه قبل القلع لم يدرك متاعه إلا مشغولا بملك المشتري ، فأشبه ما لو كانت مسامير في باب المشتري . فإن قلنا : له الرجوع قبل القلع . فقلعوه ، لزمهم تسوية الأرض من الحفر ، وأرش نقص الأرض الحاصل به ; لأن ذلك نقص حصل لتخليص ملك المفلس ، فكان عليه ، كما لو دخل فصيله دار إنسان وكبر ، فأراد صاحبه إخراجه ، فلم يمكن إلا بهدم بابها ، فإن الباب يهدم ليخرج ، ويضمن صاحبه ما نقص ، بخلاف ما إذا وجد البائع عين ماله ناقصة . فرجع فيها ، فإنه لا يرجع في النقص لأن النقص كان في ملك المفلس ، وهنا حدث بعد رجوعه في العين ، فلهذا ضمنوه ، ويضرب بالنقص مع الغرماء الشافعي
وإن قلنا : ليس له الرجوع قبل القلع . لم يلزمهم تسوية الحفر ، ولا أرش النقص ; لأنهم فعلوا ذلك في أرض المفلس قبل رجوع البائع فيها ، فلم يضمنوا النقص ، كما لو قلعه المفلس قبل فلسه ، فأما إن امتنع المفلس والغرماء من القلع ، فلهم ذلك ، ولا يجبرون عليه ; لأنه غرس بحق . ومفهوم قوله عليه السلام : { } . أنه إذا لم يكن ظالما فله حق ليس لعرق ظالم حق
فإن بذل البائع قيمة الغراس والبناء ، ليكون له الكل . أو قال : أنا أقلع ، [ ص: 277 ] وأضمن ما نقص فإن قلنا : له الرجوع قبل القلع . فله ذلك ; لأن البناء والغراس حصل في ملكه لغيره بحق ، فكان له أخذه بقيمته ، أو قلعه وضمان نقصه ، كالشفيع إذا أخذ الأرض وفيها غراس وبناء للمشتري ، والمعير إذا رجع في أرضه بعد غرس المستعير
وإن قلنا : ليس له الرجوع قبل القلع . لم يكن له ذلك ; لأن بناء المفلس وغرسه في ملكه ، فلم يجبر على بيعه لهذا البائع ، ولا على قلعه ، كما لو لم يرجع في الأرض . فأما إن امتنع البائع من بذل ذلك ، سقط حق الرجوع . وهذا قول ابن حامد ، وأحد الوجهين لأصحاب . وقال الشافعي : يحتمل أن له الرجوع . وهو القول الثاني القاضي ; لأنه أدرك متاعه بعينه ، وفيه مال المشتري على وجه التبع ، فلم يمنعه ذلك الرجوع ، كالثوب إذا صبغه المشتري للشافعي
ولنا ، أنه لم يدرك متاعه على وجه يمكنه أخذه منفردا عن غيره ، فلم يكن له أخذه ، كالحجر في البناء ، والمسامير في الباب ، ولأن في ذلك ضررا على المشتري والغرماء ، ولا يزال الضرر ، ولأنه لا يحصل بالرجوع هاهنا انقطاع النزاع والخصومة ، بخلاف ما إذا وجدها غير مشغولة بشيء . وأما الثوب إذا صبغه ، فلا نسلم له الرجوع ، فهو كمسألتنا ، فالفرق بينهما من وجهين ; أحدهما ، أن الصبغ تقرر في الثوب ، فصار كالصفة فيه ، بخلاف البناء والغرس ، فإنه أعيان متميزة ، وأصل في نفسه . والثاني ، أن الثوب لا يراد للبقاء ، بخلاف الأرض والبناء ، فإذا قلنا : لا يرجع . فلا كلام . وإن قلنا : يرجع . فرجع ، واتفق الجميع على بيعهما ، بيعا لهما ، وأخذ كل واحد بقدر حقه
وإن امتنع أحدهما من البيع ، احتمل أن يجبر عليه ، كما لو كان المبيع ثوبا ، فصبغه المشتري ، فإن الثوب يباع لهما ، كذا هاهنا . ويحتمل أن لا يجبر ; لأنه أمكن طالب البيع أن يبيع ملكه مفردا ، بخلاف الثوب المصبوغ ، فإن بيعا لهما ، قسما الثمن على قدر القيمتين ، فتقوم الأرض غير ذات شجر ولا بناء ، ثم تقوم وهما فيها ، فما كان قيمة الأرض بغير غراس ولا بناء ، فللبائع قسطه من الثمن ، وما زاد فهو للمفلس والغرماء . وإن قلنا : لا يجبر الممتنع على البيع . أو لم يطلب أحدهما البيع
فاتفقا على كيفية كونهما بينهما ، جاز ما اتفقا عليه ، وإن اختلفا ، كانت الأرض للبائع ، والغراس والبناء للمفلس والغرماء ، ولهم دخول الأرض لسقي الشجر وأخذ الثمرة ، وليس لهم دخولها للتفرج ولغير حاجة ، وللبائع دخولها للزرع ، ولما شاء ; لأن الأرض له وملكه . وإن باعوا الشجر والبناء لإنسان ، فحكمه في ذلك حكمهم . ولو بذل المفلس والغرماء ، أو المشتري منهم ، قيمة الأرض للبائع ، ليدفعها لهم ، لم يلزمه ذلك ; لأن الأرض أصل ، فلا يجبر على بيعها ، بخلاف ما فيها من الغرس والبناء .