وأما قولنا : لا يجب بعرفة فإن وقف بها فحسن ، وإلا فحسن ; فإن الوقوف بالهدي ومن قلده قال : لا يجزئ من الهدي الذي يبتاع في مالكا الحرم إلا أن يوقف بعرفة ولا بد ; وإلا فلا يجزئ إن كان واجبا ; فإن كان تطوعا فلم يوقف بعرفة فإنه ينحر بمكة ولا بد ، ولا يجوز أن ينحر بمنى ، فإن ابتيع الهدي في الحل ثم أدخل الحرم أجزأ ، وإن لم يوقف بعرفة - والإبل ، والبقر ، والغنم عندهم سواء في كل ذلك .
وقال : لا يكون هديا إلا ما قلد وأشعر ووقف الليث بعرفة - : [ ص: 172 ] وقال ، أبو حنيفة ، والشافعي وسفيان ، : لا معنى للتعريف بالهدي سواء ابتيع في وأبو سليمان الحرم أو في الحل ، إن عرف فجائز ، وإن لم يعرف فجائز .
قال : أما قول أبو محمد فما نعلمه عن أحد من العلماء لا قبله ولا معه ، ولا نعرف له وجها أصلا لا من سنة صحيحة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قول سلف ، ولا من قياس ، ولا من رأي له معنى . مالك
وأما قول فإنه يحتج له بما رويناه من طريق الليث ، حجاج بن أرطاة ، وإسرائيل ويونس بن يونس ، قال : عن حجاج ; وقال عطاء : عن إسرائيل ثوير بن أبي فاختة عن " { طاوس } . قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف بالبدن : وهذان مرسلان ، ولا حجة في مرسل ، ثم إن علي ، الحجاج ، وإسرائيل وثويرا كلهم ضعفاء ;
ثم لو صح لم يكن فيه حجة ، لأن هذا فعل لا أمر ، ولا حجة فيه لأنه شرط شروطا ليس في هذا الخبر شيء منها ، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم إنما سيق من لمالك المدينة بلا خلاف ; لا يوجب التوقيف ومالك بعرفة فيما أدخل من الحل .
ويحتج لقول أيضا بما رويناه من طريق الليث نا سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس - عن عبيد الله هو ابن عمر عن نافع قال : لا هدي إلا ما قلد ، وسيق ، ووقف ابن عمر بعرفة .
ومن طريق عن سفيان بن عيينة أيوب عن عن نافع قال : كل هدي لم يشعر ويقلد ويفض به من ابن عمر عرفة فليس بهدي إنما هي ضحايا .
قال : علي لا يحتج [ له ] بهذا ; لأنه لا يرى الترك للتقليد وللإشعار مانعا من أن يكون هديا . مالك
قال : لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خالف علي في هذا غيره - من الصحابة - : كما روينا من طريق ابن عمر نا سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس رباح بن أبي معروف عن عن عطاء قال : إن شئت فعرف الهدي ، وإن شئت فلا تعرف به إنما أحدث الناس السياق مخافة السراق . ابن عباس
وعن نا سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس عن الأعمش إبراهيم قال : دعا الأسود [ ص: 173 ] مولى له فأمره أن يخبرني بما قالت له عائشة ، فقال : نعم سألت عائشة أم المؤمنين ؟ فقلت : أعرف بالهدي ؟ فقالت : لا عليك أن لا تعرف به .
وعن ، عطاء : لا يضرك أن لا تعرف به . وطاوس
وعن أنه أمر بتعريف بدنة أدخلت من الحل . ابن الحنفية
وعن : أنه لم ير هديا إلا ما عرف به من الإبل والبقر خاصة . سعيد بن جبير
قال : لم يأت أمر بتعريف شيء من ذلك في قرآن ، ولا سنة ، ولا يجب إلا ما أوجبه الله - تعالى - في أحدهما ، ولا قياس يوجب ذلك أيضا ; لأن مناسك الحج إنما تلزم الناس لا الإبل - وبالله - تعالى - التوفيق . أبو محمد
وأما قولنا : ، وهو هدي تطوع سواء مكيا كان أو غير مكي فإن ولا هدي على القارن غير الهدي الذي ساق مع نفسه قبل أن يحرم ، مالكا قالا : على القارن هدي وحكمه كحكم المتمتع سواء سواء في تعويض الصوم منه إن لم يجد هديا ، وليس على المكي عندهما هدي ، ولا صوم إن قرن ، كما لا شيء عليه في التمتع . والشافعي
وقال : لم أسمع قط أن مكيا قرن . وقال مالك : إن تمتع المكي فلا شيء عليه - لا هدي ، ولا صوم - وإن قرن فعليه هدي ولا بد ; ولا يجوز أن يعوض منه صوم - وجد هديا أو لم يجد - ولا يجوز له أن يأكل منه شيئا . أبو حنيفة
قال : والمكي عنده من كان ساكنا في أحد المواقيت فما دونها إلى مكة - قال : فإن ; فعليه هدي - وله أن يأكل منه ، فإن لم يجد فصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع قال تمتع من هو ساكن فيما وراء المواقيت أو قرن : أما قول أبو محمد ففيه وجوه جمة من الخطأ - : أولها - أنه تقسيم لا يعرف عن أحد قبله . أبي حنيفة
والثاني - تفريقه بين قران المكي وبين تمتعه ، وتسويته بين قران غير المكي وبين تمتعه بلا برهان .
الثالث - تعويضه الصوم من هدي غير المكي ، ومنعه من تعويضه الصوم من هدي المكي ; كل ذلك رأي فاسد لا سلف له فيه ، ولا دليل أصلا .
[ ص: 174 ] فقالوا : إن المكي إذا قرن فهو داخل في إساءة ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ وأين وجدتم أن من دخل في إساءة لم يجز له أن يعوض من هديه دم ؟ وهذا قاتل الصيد محرما داخل في أعظم الإساءة وأشد الإثم ، وقد عوض الله - تعالى - من هديه صوما وإطعاما وخيره في أي ذلك شاء ؟ وهذا المحصر غير داخل في إساءة بل مأجور معذور ولم يعوض الله - تعالى - من هديه صوما ولا إطعاما ; فكم هذا التخليط والخبط في دين الله - تعالى - بشرع الشرائع الفاسدة فيه ؟ وأيضا : فالمكي عندهم إذا تمتع فهو داخل في إساءة أو غير داخل في إساءة لا بد من أحدهما ، فإن كان داخلا في إساءة فلم لم يجعلوا عليه هديا كالذي جعلوا في القران عليه ؟ وإن كان ليس داخلا في إساءة فمن أين وجب أن يدخل إذا قرن في إساءة ؟ فهل فيما يأتي به الممرورون أكثر من هذا ؟ وأما نحن فليس المكي ولا غيره مسيئا في قرانه ولا في تمتعه بل هما محسنان في كل ذلك كسائر الناس ولا فرق ; فسقط قول لعظيم تناقضه وفساده ، وأما أبي حنيفة ، مالك ، فإنهما قاسا القران على المتعة في المكي وغيره . والشافعي
قال : القياس كله خطأ ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الخطأ ; لأنه لا شبه بين القارن والمتمتع ; لأن المتمتع يجعل بين عمرته وحجه إحلالا ولا يجعل القارن بين عمرته وحجه إحلالا . أبو محمد
وأيضا : فإن القارن عندهما وعندنا لا يطوف إلا طوافا واحدا ولا يسعى إلا سعيا واحدا والمتمتع يطوف طوافين ويسعى سعيين .
وأيضا : فإن القارن لا بد له من عمل الحج مع عمرته والمتمتع إن لم يرد أن يحج لم يلزمه أن يحج ، والقياس عندهما لا يكون إلا على علة جامعة بين الحكمين ولا علة تجمع بين القارن والمتمتع .
فإن قالوا : العلة في ذلك هي إسقاط أحد السفرين ؟ قلنا : هذه علة موضوعة لا دليل لكم على صحتها وقد أريناكم بطلانها مرارا ، وأقرب ذلك أن من بمكة ولم يبرح حتى حج من عامه ذلك فلا هدي عليه عندهما ولا صوم ; وقد أسقط أحد السفرين . أحرم وعمل عمرته في آخر يوم من رمضان ثم أهل هلال شوال إثر [ ص: 175 ] إحلاله منها ثم أقام
وكذلك من قصد إلى ما دون التنعيم داخل العام لحاجة فلما صار هنالك - وهو لا يريد حجا ولا عمرة - بدا له في العمرة فاعتمر من التنعيم في آخر يوم من رمضان ; ثم أقام حتى حج من عامه فلا هدي عليه ولا صوم عندهما ; وهو قد أسقط السفرين جميعا سفر الحج وسفر العمرة .
ثم يقولان فيمن حج بعده بساعة إثر ظهور هلال شوال فاعتمر ، ثم خرج إلى البيداء على أقل من بريد من المدينة عند ، أو إلى الشافعي مدينة الفسطاط ، وهو من أهل الإسكندرية عند ثم حج من عامه : فعليه الهدي أو الصوم ، وهو لم يسقط سفرا أصلا ; فظهر فساد هذه العلة التي لا علة أفسد منها ، ولا أبطل - وبالله - تعالى - التوفيق . مالك
واحتج بعض أهل المعرفة ممن يرى بأن قال : قد صح عن الهدي في القران ، سعد بن أبي وقاص ، وعلي بن أبي طالب وعائشة أم المؤمنين ، ، وعمران بن الحصين أنهم سموا القران : تمتعا ، وهم الحجة في اللغة ; فإذ القران تمتع فالهدي فيه ، أو الصوم بنص القرآن في إيجاب ذلك على المتمتع . وعبد الله بن عمر
قال : لا يختلف هؤلاء رضي الله عنهم ولا غيرهم في أن عمل المهل بحج وعمرة معا هو عمل غير عمل المهل بعمرة فقط ، ثم يحج من عامه بإهلال آخر مبتدأ ; فإذ ذلك كذلك فالمرجوع إليه هو بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبك أن كليهما يسمى تمتعا إلا أنهما عملان متغايران . أبو محمد
فنظرنا في ذلك فوجدنا الحديث الذي ذكرنا قبل من رواية عن البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل بن خالد الزهري عن عن أبيه { سالم بن عبد الله بن عمر مكة قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى [ ص: 176 ] يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة ويقصر ويحل ; ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالعمرة ثم أهل بالحج فتمتع الناس معه عليه السلام بالعمرة إلى الحج ، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد ذكرنا قبل من طريق مالك عن ومعمر الزهري عن عروة عن { عائشة أم المؤمنين } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من معه الهدي بأن يجعل مع عمرته حجا ، فصح أمر النبي صلى الله عليه وسلم من تمتع بالعمرة إلى الحج بالهدي ، أو الصوم ولم يأمر القارن بشيء من ذلك
ووجدنا ما روينا من طريق نا مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة عن عبدة بن سليمان عن أبيه عن هشام بن عروة قالت { عائشة مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض لم أحل من عمرتي فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج قالت : ففعلت فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله حجنا أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني ، وخرج بي إلى التنعيم فأهللت بعمرة ، وقضى الله حجنا وعمرتنا ولم يكن في ذلك هدي ، ولا صدقة ، ولا صوم } . خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة فكنت فيمن أهل بعمرة فقدمنا
ومن طريق أبي داود نا الربيع بن سليمان المؤذن أنا عن محمد بن إدريس الشافعي عن سفيان بن عيينة ابن أبي نجيح عن { عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : طوافك عائشة أم المؤمنين بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك } فصح أنها كانت قارنة ، ولم يجعل عليه السلام في ذلك هديا ولا صوما . عن
فإن قيل : إنها رضي الله عنها : رفضت عمرتها .
قلنا : إن كنتم تريدون أنها حلت منها فقد كذب من قال ذلك ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرها أن طوافها وسعيها يكفيها لحجتها وعمرتها ، ومن الباطل أن يكفيها عن عمرة قد أحلت منها ; وإن كنتم تريدون أنها رفضتها وتركتها بمعنى أخرت عمل العمرة من الطواف والسعي حتى أفاضت يوم النحر فطافت وسعت لحجتها وعمرتها معا فنعم ، وهذا قولنا .
[ ص: 177 ] فإن قيل : فإن روى هذا الخبر فجعل قولها ، ولم يكن في ذلك هدي ولا صوم من قول وكيعا هشام ؟ قلنا : فإن عبد الله بن نمير ، وعبدة جعلاه من كلام ، وما عائشة دون ابن نمير في الحفظ ، والثقة ، وكذلك وكيع عبدة ; وكلا الروايتين حق قالته هي ، وقاله هشام ، ونحن أيضا نقوله .
فإن قيل : قد صح أنه عليه السلام أهدى عن نسائه البقر ؟ قلنا : نعم ، وقد بين معنى ذلك الإهداء عن سفيان بن عيينة عن أبيه عن عبد الرحمن بن القاسم عائشة أنه كان أضاحي ، لا هدي متعة ، ولا هديا عن قران .
قال : وقالوا : قد روي عن أبو محمد ، عمر وجوب الهدي على القارن ؟ قلنا : أما الرواية عن وجابر فإنها من طريق عمر عبد السلام بن حرب عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن ، عمر فعبد السلام ضعيف ، وأبو معشر مثله ، وإبراهيم لم يولد إلا بعد موت رضي الله عنه . عمر
وأما الرواية عن فرويناها من طريق جابر موسى بن عبيدة عن بعض أصحابه أنه سأل أن يقرن بين حج وعمرة بغير هدي ؟ فقال : ما رأيت أحدا منا فعل مثل ذلك ، جابر بن عبد الله فموسى ضعيف ، وبعض أصحابه عجب ألبتة ; ثم لو صحت لكانت موافقة لقولنا ; لأن ظاهرها المنع من القران دون أن يسوق مع نفسه هديا ، وهكذا نقول .
ثم لو صح ذلك عنهما لكان لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكان قد خالفهما غيرهما من الصحابة كما ذكرنا آنفا عن . أم المؤمنين
وروينا عن نا سعيد بن منصور أبو عوانة عن عن عطاء بن السائب كثير بن جمهان أنه سأل مع قوم عن ابن عمر ؟ فقال رجل أحرم بالقران ما كفارته : كفارته أن يرجع بأجرين ، ويرجعون بأجر - فلو كان عليه هدي لأفتاهم به ؟ ومن طريق ابن عمر نا ابن أبي شيبة عن وكيع عن شعبة الحكم بن عتيبة أن قرن بين حج ، وعمرة ، ولم يهد قال الحسن بن علي بن أبي طالب الحكم : وقرن أيضا بين الحج والعمرة ، ولم يهد . شريح
[ ص: 178 ] فإن قيل : فقد رويتم عن نا ابن أبي شيبة عبد الله بن نمير عن - عن إسماعيل هو ابن أبي خالد وبرة بن عبد الرحمن عن قال : إذا قرن الرجل بين الحج والعمرة فعليه بدنة فقيل له : إن ابن عمر يقول : شاة ، فقال ابن مسعود : الصيام أحب إلي من شاة ؟ قلنا : نعم ، وأنتم أول من خالف ابن عمر في هذا ; ومن التلاعب في الدين أن توجبوا قول الصاحب حجة [ لا يجوز خلافها ] إذا وافق قول ابن عمر ، أو أبي حنيفة ، أو مالك ، وغير حجة إذا خالفهم - نبرأ إلى الله - تعالى - من هذا العمل . الشافعي