قال : وإن كانت فعلى قول السلعة قد هلكت في يد المشتري ثم اختلفا في الثمن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - القول قول المشتري مع يمينه ، وعند وأبي يوسف محمد - رحمهما الله تعالى - يتحالفان ويترادان العقد لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم إذا اختلفا [ ص: 31 ] المتبايعان ترادا ولا يمنعا من الاستدلال لظاهر هذا الحديث الآخر من ظاهر قوله والسلعة قائمة بعينها ; لأن ذلك مذكور على سبيل التثنية أي تحالفا ، وإن كانت السلعة قائمة ; لأن عند ذلك يتأتى تميز الصادق من الكاذب بتحكيم قيمة السلعة في الحال ولا يتأتى ذلك بعد هلاك السلعة فإذا كان تحري التحالف مع إمكان تميز الصادق من الكاذب فعند عدم الإمكان أولى ولأن التحالف عند قيام السلعة إنما يصار إليه ; لأن كل واحد منهما يدعي عقدا ينكره صاحبه فالبيع بألف غير البيع بألفين ألا ترى أن شاهدي البيع إذا اختلفا في مقدار الثمن لا تقبل الشهادة ، والدليل عليه أنه لو انفرد كل واحد منهما بإقامة البينة وجب قبول بينته فعرفنا أن كل واحد منهما يدعي عقدا ينكره صاحبه فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه . والشافعي
وهذا المعنى عند هلاك السلعة متحقق فصار كما لو ، أو ادعى أحدهما البيع والآخر الهبة أو كان البيع مقابضة وهلك أحد البدلين ثم اختلفا فإنهما يتحالفان ، ثم إذا حلفا فقد انتفى كل واحد من الثمنين بيمين المنكر منهما فيبقى البيع بلا ثمن والبيع بغير ثمن يكون فاسدا والمقبوض بحكم عقد فاسد يجب رد عينه في حال قيامه ورد قيمته بعد هلاكه قبل المبيع قبل القبض ثم اختلفا في الثمن ، وأبو حنيفة - رحمهما الله تعالى - استدلا بقوله صلى الله عليه وسلم { وأبو يوسف } والبائع هو المدعي والمشتري منكر فكان القول قوله مع اليمين فأما المشتري لا يدعي لنفسه شيئا على البائع ; لأن المبيع مملوك له مسلم إليه باتفاقهما وهذا هو القياس حال قيام السلعة أيضا ولكنا تركناه بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم { البينة على من ادعى واليمين على من أنكر } وقوله : والسلعة قائمة مذكورة على وجه الشرط لا على وجه البينة ; لأن قوله : إذا اختلفا المتبايعان شرط وقوله : والسلعة قائمة بعينها معطوف على الشرط فكان شرطا ; لأن موجب الاشتراط والمخصوص من القياس بالسنة لا يلحق به إلا ما كان في معناه وحال هلاك السلعة ليس في معنى حال قيام السلعة ; لأن عند قيام السلعة يندفع الضرر عن كل واحد منهما بالتحالف فإنه ينفسخ العقد فيعود إلى كل واحد منهما رأس ماله بعينه وبعد هلاك السلعة لا يحصل ذلك فالعقد بعد هلاك السلعة لا يحتمل الفسخ ألا ترى أنه لا ينفسخ بالإقالة والرد بالعيب فكذلك بالتحالف وهذا ; لأن الفسخ لا يراد إلا على ما ورد عليه العقد . إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا
والمعقود عليه فات لا إلى بدل فإن القيمة قبل الفسخ لا تكون واجبة على المشتري والفسخ على غير محله لا يتأتى بخلاف بيع المقابضة فإن أحد العوضين هناك قائم وهو معقود عليه ولهذا جاز [ ص: 32 ] الفسخ بالإقالة والرد بالعيب ، فكذلك بالتحالف ، وكذلك إذا قبل المبيع قبل القبض فالقيمة هناك واجبة على القاتل وهي قائمة مقام العين في إمكان فسخ العقد عليها ; لأن القيمة الواجبة قبل القبض لما ورد عليها القبض المستحق بالعقد كانت في حكم المعقود عليه ولا معنى لقوله : أن كل واحد منهما يدعي عقدا آخر فإن العقد لا يختلف باختلاف الثمن ألا ترى أن الوكيل بالبيع بألف يبيع بألفين وأن البيع بألف قد يصير بألفين بالزيادة في الثمن ، والبيع بألفين يصير بألف عند حط بعض الثمن إنما يمنع قبول الشهادة لا لاختلاف العقد بل ; لأن المدعي يكذب أحدهما وقبوله بينة المشتري عند الانفراد ; لأنه مدعي صورة لا معنى وذلك يكفي لقبول بينته ، ولكن لا يتوجه به اليمين على خصمه كالمدعي يدعي رد الوديعة فلا يتوجه اليمين على خصمه وإن كانت بينته تقبل عليه ، والدليل عليه أن المشتري لو كان جارية حل للمشتري وطؤها ، ولو كان الاختلاف في الثمن موجبا اختلاف العقد لما حل له وطؤها كما لو ادعى أحدهما البيع والآخر الهبة ولهذا تبطل دعوى الفساد وهو قوله : إنهما إذا حلفا يبقى العقد بلا ثمن ; لأنه لو كان هكذا لما حل له وطؤها ولأن القاضي إنما يفسخ البيع عند طلب أحدهما وما لم يفسخ حل للمشتري وطؤها ولو فسد البيع بالتحالف لما حل له وطؤها ولما تأخر حكم الفسخ إلى طلب أحدهما والحديث المطلق فيه ما يدل على قيام السلعة وهو لفظ التراد ; لأنه إن كان المراد رد المأخوذ حسا وحقيقة فذلك يتأتى عند قيام السلعة وإن كان المراد العقد فقد بينا أن الفسخ إنما يتأتى عند قيام السلعة مع أن المطلق والمقيد في حادثة واحدة في حكم واحد إذا ورد فالمطلق محمول على المقيد واختلاف الشاهدين في مقدار الثمن