ولو ، فعملهما الثاني على هذا فالخارج بينهما أثلاث ، كما شرطاه في العقد الذي جرى بينهما ، والمزارع الأول صار مخالفا بإشراك الغير في الخارج بغير رضا رب المال ، فلرب الأرض أن يضمن بذره أيهما شاء ، وكذلك نقصان الأرض في قول دفع إلى رجل أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه بالنصف ، ولم يقل له : اعمل فيه برأيك فدفعها المزارع إلى رجل آخر على أن يزرعها سنته هذه بذلك البذر على أن للآخر ثلث الخارج ، وللأول ثلثاه محمد الأول ، فإن ضمنها الآخر رجع على الأول بذلك كله ، وإن ضمنها الأول لم يرجع على الآخر ، وفي قول وأبي يوسف أبي حنيفة الآخر - رحمهما الله - إنما يضمن نقصان الأرض للأجر ، ويرجع هو على الأول ثم يأخذ الأول من نصيبه بذره الذي ضمن وما غرم ، ويتصدق بالفضل لتمكن الخبث في تصرفه بخلافه ، ولا يتصدق الآخر بشيء قال : لأنه كان أجيرا بنصف الخارج ، وهو سهو ، والصحيح أن يقال : لأنه كان أجيرا بثلث الخارج ، ومعنى هذا التعليل أن العقد بين الأول والثاني صحيح ، وإن كان الأول غاصبا مخالفا فالثاني إنما استحق الأجر على عمله بعقد صحيح ، فلا يلزمه أن يتصدق بشيء بخلاف ما سبق ، فهناك الثاني إنما استحق الخارج بكونه نماء بذره ، وقد رباه في أرض غيره بغير رضا صاحب الأرض ، ولو وأبي يوسف كان ثلث الخارج للآخر ، ونصفه لرب الأرض ، وسدسه للمزارع الأول ; لأن الأول لم يصر مخالفا بالدفع إلى الثاني ، ولكنه أوجب له ثلث الخارج بعقد صحيح فينصرف ذلك إلى نصيبه خاصة ، وذلك ثلثا نصيبه ، ورب الأرض مستحق لنصف الخارج ، كما شرط لنفسه ، ويبقى ثلث نصيب المزارع الأول ، وذلك سدس جميع الخارج له بضمان العمل في ذمته ، وإن كان رب الأرض قال له : اعمل فيه برأيك والمسألة بحالها فهو جائز ، وللآخر نصف الخارج ; لأن عقد المزارع الأول معه بعد تفويض الأمر إلى رأي الأول على العموم ، كعقد رب الأرض ، فيستحق هو نصف الخارج ، والنصف الآخر بين الأول ، وبين رب الأرض نصفين ; لأن رب الأرض ما شرط لنفسه هنا نصف جميع الخارج ، وإنما شرط لنفسه نصف ما رزقه الله - تعالى - للأول ، وذلك ما وراء نصيب الآخر ، فكان ذلك بينهما نصفين ، وفيما تقدم [ ص: 74 ] إنما شرط رب الأرض لنفسه نصف جميع الخارج ، فلا ينتقض حقه بعقد الأول مع الثاني ، وكذلك لو قال على ما أخرج الله لك منها من شيء فهو بيننا نصفان أو قال : ما أصبت من ذلك من شيء فهو بيننا نصفان ، فهذا ، وقوله وما رزقك الله سواء ، ولو كان دفع إليه البذر والأرض على أن يزرعها سنته هذه فما رزقه الله - تعالى - في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان ، وقال له : اعمل في ذلك برأيك فدفعها المزارع إلى رجل بالنصف كان الأول مخالفا ضامنا حين زرعها الآخر لما قلنا ، والخارج بينهما نصفان ، ولا شيء منه لرب الأرض ، ويضمن رب الأرض بذره أيهما شاء ، وفي نقصان الأرض خلاف كما بينا ، ولو لم يزرع الآخر حتى ضاع البذر من يده أو غرقت الأرض ففسدت ، ودخلها عيب ينقصها ، فلا ضمان على واحد منهما في شيء من ذلك ; لأن الأول بمجرد الدفع إلى الثاني لا يصير مخالفا . لم يقل له : اعمل فيه برأيك ، والمسألة بحالها
( ألا ترى ) أنه لو دفع إليه البذر والأرض ، واستعان به في عمل الزراعة أو استأجره على ذلك بدراهم لم يكن مخالفا وإنما يصير مخالفا بإيجاب الشركة للغير في الخارج ، وذلك لا يحصل بمجرد العقد ، ولا بدفع الأرض والبذر إليه ، وإنما تكون حقيقة الشركة عند حصول الخارج ، وسببه إلقاء البذر في الأرض على طريق المزارعة ، فما لم يوجد هذا السبب لا يصير واحد منهما مخالفا ، فلهذا لا ضمان على واحد منهما لرب الأرض ، والدليل عليه أن الشركة بعقد المزارعة لا تكون في البذر بل تكون في النماء الحاصل من البذر وسببه ليس هو قبض المزارع البذر ، وإنما سببه إلقاء البذر في الأرض