الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            الخليل بن أحمد ، أبو عبد الرحمن الفراهيدي الأزدي النحوي البصري:

            ولا يعرف أحد سمي بأحمد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أحمد والد الخليل .

            سمع الخليل من جماعة ، وبرع في علم اللغة وإنشاء العروض ، وروى عنه حماد بن زيد ، والنضر بن شميل . وكان الخليل بالبصرة ، وهو أليق بالصحة ، وكان الخليل منفردا بعلم العربية ، متعبدا ، ذا زهادة في الدنيا .

            كتب إليه سليمان بن علي الهاشمي يستدعيه لتعليم ولده بالنهار ومنادمته بالليل ، وبعث إليه ألف دينار ليستعين بها على حاله ، فأخرج إلى الرسول زنبيلا فيه كسر يابسة ، فأراه إياها وقال له: إني ما دمت أجد هذه الكسر فإني عنه غني وعن غيره ، ورد الألف دينار وقال للرسول: اقرأ على الأمير السلام وقل له: إني قد ألفت قوما وألفوني ، أجالسهم طول نهاري وبعض ليلي ، وقبيح لمثلي أن يقطع عادة تعودها إخوانه ، وكتب إليه بهذه الأبيات:


            أبلغ سليمان أني عنه في سعة وفي غنى غير أني لست ذا مال     وإن بين الغنى والفقر منزلة
            مقرونة بجديد ليس بالبالي     سخي بنفسي أني لا أرى أحدا
            يموت هزلا ولا يبقى على حال     والفقر في النفس لا في المال نعرفه
            ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال     والرزق عن قدر لا العجز ينقصه
            ولا يزيدك فيه حول محتال     كل امرئ بحبال الموت مرتهن
            فاعمد لبالك إني عامد بالي

            وقد روي لنا أن الذي بعث إليه سليمان بن حبيب المهلبي ، بعث إليه من أرض السند . وكان الخليل بالبصرة ، وهذا أليق بالصحة ، وقيل: من أرض الأهواز ، ثم آل الأمر إلى أن صار الخليل وكيلا ليزيد بن حاتم المهلبي ، وكان يجري عليه في كل شهر مائتي درهم .

            قال الثوري: اجتمعنا بمكة ، أدباء كل أفق ، فتذاكرنا أمر العلماء ، فجعل أهل كل بلد يرفعون علماءهم ويصفونهم حتى جرى ذكر الخليل فلم يبق أحد منهم إلا قال: الخليل أذكى العرب ، وهو مفتاح العلوم ومصرفها .

            وقال نصر بن علي الجهضمي ، عن أبيه: كان الخليل من أزهد الناس وأعلاهم نفسا ، وأشدهم تعففا ، ولقد كان الملوك يقصدونه ويتعرضون [له] لينال منهم فلم يكن يفعل ذلك ، وكان يعيش من بستان خلفه له أبوه .

            وقال عبيد الله بن محمد بن عائشة: كان الخليل يحج سنة ويغزو سنة حتى مات .

            وقال النضر بن شميل: ما رأينا أحدا أقبل الناس إلى علمه فطلبوا ما عنده أشد تواضعا من الخليل .

            وقال محمد بن سلام: سمعت مشايخنا يقولون: لم يكن في العرب بعد الصحابة أذكى من الخليل ولا أجمع ، ولا كان في العجم أذكى من ابن المقفع ولا أجمع .

            وقال النضر: سمعت الخليل يقول: الأيام ثلاثة ، فمعهود وهو أمس ، ومشهود وهو اليوم ، وموعود وهو غد .

            وقال الخليل: ثلاث تيسر المصائب: مر الليالي ، والمرأة الحسناء ، ومحادثة الرجال .

            وأنشد لنفسه:


            يكفيك من دهرك هذا القوت     ما أكثر القوت لمن يموت

            بديل بن ميسرة العقيلي:

            أسند عن أنس وغيره ، وكان متعبدا ، طويل البكاء ، ما زال يبكي حتى ذهب بصره .

            أخبرنا محمد بن أبي القاسم [بإسناد له] ، عن سيار ، قال: قال مهدي بن ميمون: رأيت ليلة مات بديل قائلا يقول: ألا إن بديلا أصبح من سكان الجنة . شيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب القاري ، مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم .

            توفي في هذه السنة . في هذه السنة مات أبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ ، مولى عبد الله بن عباس المخزومي بالمدينة ، وقيل : سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بقديد . محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير ، أبو عبد الله:

            وكان المنكدر دخل على عائشة فقالت: لك ولد؟ قال: لا ، فقالت: لو كان عندي عشرة آلاف [درهم] لوهبتها لك ، فما أمسيت حتى بعث إليها معاوية بمال ، فقالت: ما أسرع ما ابتليت ، وبعثت إلى المنكدر بعشرة آلاف فاشترى منها جارية ، فهي أم محمد وأبي بكر وعمر ، وكانوا عباد المدينة .



            وسمع محمد من جابر بن عبد الله ، وأميمة بنت رقية ، والحسن ، وعروة ، وسعيد بن جبير في آخرين . وتوفي بالمدينة .

            وعن ابن وهب ، قال: أخبرني ابن زيد ، قال: أتى صفوان بن سليم إلى محمد بن المنكدر وهو في الموت ، فقال: يا أبا عبد الله ، كأني أراك قد شق عليك الموت ، قال: فما زال يهون عليه الأمر حتى كأن في وجهه المصابيح ، ثم قال محمد: لو ترى ما أنا فيه لقرت عينك ، ثم قضى رحمه الله . محمد بن سوقة ، أبو بكر البزاز ، مولى بجيلة: وكان بزازا . [أدرك أنس بن مالك ، وأبا الطفيل ، وروى عن التابعين] ، وكان سفيان يقول: ما بقي أحد يدفع به عن أهل الكوفة إلا ابن سوقة . وكانت عنده عشرون ومائة ألف فقدمها ، وكان يقول: أحب الأشياء إلي إدخال السرور على المؤمن .

            وقال: فضل بن عياض ، عن محمد بن سوقة ، قال: أمران لو لم نعذب إلا بهما لكنا مستحقين بهما عذاب الله: أحدنا يزاد الشيء من الدنيا فيفرح فرحا ما علم الله أنه فرحه بشيء زاده قط في دينه ، وينقص الشيء من الدنيا فيحزن عليه حزنا ما علم الله أنه حزنه على شيء نقصه في دينه .

            و عن مهدي بن سابق ، قال: طلب ابن أخي محمد بن سوقة منه شيئا فبكى ، فقال له: يا عم ، لو علمت أن مسألتي تبلغ منك هذا ما سألتك ، قال: ما بكيت لسؤالك ، إنما بكيت لأني لم أبتدئك قبل سؤالك . محمد بن جحادة الأودي ، مولى لبني أود:

            روى عن أبي صالح ، وروى عنه الثوري .

            فعن سفيان ، قال: كان محمد بن جحادة من العابدين ، وكان يقال: إنه لا ينام من الليل إلا أيسره .

            قال: فرأت امرأة من جيرانه كأن حللا فرقت على أهل مسجدهم ، فلما انتهى الذي يفرقها إلى محمد بن جحادة دعا بسفط مختوم ، وأخرج منه حلة صفراء . قالت: فلم يقم لها بصري ، فكساه إياها ، وقال: هذه لك بطول السهر . قالت تلك المرأة: لقد كنت أراه بعد ذاك فأتخايلها عليه . مالك بن دينار ، أبو يحيى ، مولى امرأة من بني سامة بن لؤي:

            وكان ثقة يكتب المصاحف ، وكان زاهدا في الدنيا . وأسند الحديث عن أنس .

            قال: حسين بن جعفر بن سليمان الضبعي ، : سمعت أبي يقول: مر والي البصرة بمالك يرفل ، فصاح به مالك: أقل من مشيتك هذه ، فهم خدمه به ، فقال: دعوه ، ما أراك تعرفني ، فقال له مالك: ومن أعرف بك مني ، أما أولك فنطفة مذرة ، وأما آخرك فجيفة قذرة ، ثم أنت بين ذلك تحمل العذرة ، فنكس الوالي رأسه ومشى .

            وعن جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار: أنه كان يرى يوم التروية بالبصرة ، ويوم عرفة بعرفات .

            قال الحسين بن علي الحلواني : دخل اللصوص إلى بيت مالك بن دينار فلم يجدوا في البيت شيئا فأرادوا الخروج من داره ، فقال مالك: ما عليكم لو صليتم ركعتين . يزيد بن أبان الرقاشي:

            أسند عن أنس . وكان عابدا ، كثير البكاء والسهر ، حتى قال فيه ثابت البناني: ما رأيت أصبر على طول القيام والسهر من يزيد بن أبان [الرقاشي] ، وكان بعد هذا يقول: والهفاه سبقني العابدون وقطع بي!

            قال: زهير السكوني ، : كان يزيد الرقاشي قد بكى حتى تناثرت أشفاره ، وأحرقت الدموع مجاريها من وجهه . يزيد بن عبيد بن سعد بن بكر بن هوازن ، أبو وجزة السعدي الشاعر:

            توفي بالمدينة في هذه السنة . قال ابن قتيبة: هو أول من شبب بعجوز .

            وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ، ( وقيل : سنة اثنتين وثلاثين ومائة ) ، وقيل : سنة أربع وثلاثين ومائة ، ويكنى أبا نجيح . وفيها توفي مخرمة بن سليمان وله سبعون سنة ، وأبو الحويرث ، ويزيد بن أبي مالك الهمداني ، ويزيد بن رومان ، وعكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد العزيز بن رفيع ( بضم الراء المهملة ، وفتح الفاء ، وبالعين المهملة ) وهو أبو عبد الله المكي الفقيه ، وكان قد قارب مائة سنة ، وكان لا يثبت معه امرأة لكثرة نكاحه . وإسماعيل بن أبي حكيم كاتب عمر بن عبد العزيز ، ويزيد بن أبان ، وهو المعروف بيزيد الرشك ، وكان قساما بالبصرة ، وحفص بن سليمان بن المغيرة ، وكان مولده سنة ثمانين ، يروي قراءة عاصم عنه . وممن توفي فيها من الأعيان شعيب بن الحبحاب ، وعبد العزيز بن صهيب ، وعبد العزيز بن رفيع ، وكعب بن علقمة

            التالي السابق


            الخدمات العلمية