وأخرج أحمد وصححه والحاكم وابن مردويه - في المعرفة - وأبو نعيم والبيهقي قال : «جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يتلو هذه الآية أبي ذر ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب فجعل يرددها حتى نعست ثم قال : يا لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم » أبا ذر . عن
وأخرج من طريق ابن مردويه عن الكلبي أبي صالح عن قال : ابن عباس «جاء عوف بن مالك الأشجعي فقال : يا رسول الله إن ابني أسره العدو وجزعت أمه فما تأمرني ؟ قال : آمرك وإياها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فقالت المرأة : نعم ما أمرك فجعلا يكثران منها فتغفل العدو فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه فنزلت ومن يتق الله » الآية .
وفي رواية عن ابن أبي حاتم محمد بن إسحاق مولى آل قيس قال : «جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : أسر ابن عوف فقال له عليه الصلاة والسلام : أرسل إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القد عنه فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها فإذا سرح للقوم الذين كانوا شددوه فصاح بها فاتبع آخرها أولها فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب فأتى أبوه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت ومن يتق الله إلخ .
وفي بعض الروايات أنه أصابه جهد وبلاء فشكا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : «اتق الله واصبر فرجع ابنه وقد أصاب أعنزا فذكر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام فنزلت فقال : هي لك » إلى غير ذلك مما هو مضطرب على ما لا يخفى على المتتبع ، وعلى القول بالاستطراد قيل : المعنى من يتق الحرام [ ص: 136 ]
يجعل له مخرجا إلى الحلال ، وقيل : مخرجا من الشدة إلى الرخاء ، وقيل : من النار إلى الجنة . وقيل : مخرجا من العقوبة ويرزقه من حيث لا يحتسب من الثواب ، وقال : " من يتق الله " عند المصيبة الكلبي يجعل له مخرجا إلى الجنة ، والكل كما ترى ، والمعول عليه العموم الذي سمعته ، وفي الكشف إن تنويع الوعد للمتقي وتكرير الحث عليه بعد الدلالة على أن التقوى ملاك الأمر عند الله تعالى ناط به سبحانه سعادة الدارين يدل على أن أمر الطلاق والعدة من الأمور التي تحتاج إلى فضل تقوى لأنه أبغض المباح إلى الله عز وجل لما يتضمن من الإيحاش وقطع الألفة الممهدة ، ثم الاحتياط في أمر النسب الذي هو من جلة المقاصد يؤذن بالتشديد في أمر العدة فلا بد من التقوى ليقع الطلاق على وجه يحمد عليه ، ويحتاط في العدة ما يجب فهنالك يحصل للزوجين المخرج في الدنيا والآخرة ، وعليه فالزوجة داخلة في العموم كالزوج ومن يتوكل على الله فهو حسبه أي كافيه عز وجل في جميع أموره .
وأخرج في الزهد عن أحمد قال : وهب «يقول الرب تبارك وتعالى : إذا توكل علي عبدي لو كادته السماوات والأرض جعلت له من بين ذلك المخرج » إن الله بالغ أمره بإضافة الوصف إلى مفعوله والأصل بالغ أمره بالنصب - كما قرأ به الأكثرون - أي يبلغ ما يريده عز وجل ولا يفوته مراد .
وقرأ في رواية ابن أبي عبلة وداود بن أبي هند وعصمة عن «بالغ » بالرفع منونا «أمره » بالرفع على أنه فاعل - بالغ -الخبر - لأن- أو مبتدأ ، وبالغ خبر مقدم له ، والجملة خبر إن أي نافذ أمره عز وجل ، وقرأ أبي عمرو المفضل في رواية أيضا بالغا بالنصب «أمره » بالرفع ، وخرج ذلك على أن بالغا حال من فاعل " جعل " في قوله تعالى : قد جعل الله لكل شيء قدرا لا من المبتدأ لأنهم لا يرتضون مجيء الحال منه ، وجملة قد جعل إلخ خبر " إن " ، وجوز أن يكون بالغا هو الخبر على لغة من ينصب الجزأين - بإن - كما في قوله :
إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن خطاك خفافا إن حراسنا أسدا
وتعقب بأنها لغة ضعيفة ، ومعنى قدرا تقديرا ، والمراد تقديره قبل وجوده ، أو مقدارا من الزمان ، وهذا بيان لوجوب التوكل عليه تعالى وتفويض الأمر إليه عز وجل لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق وغيره لا يكون إلا بتقديره تعالى لا يبقى إلا التسليم للقدر ، وفيه على ما قيل : تقرير لما تقدم من تأقيت الطلاق والأمر بإحصاء العدة ، وتمهيد لما سيأتي إن شاء الله تعالى من مقاديرها .
وقرأ جناح بن حبيش «قدرا » بفتح الدال