قوله : يحرفون الكلم عن مواضعه تحريفهم إياه يكون بوجهين :
أحدهما : بسوء التأويل ، والآخر : بالتغيير والتبديل . وأما ما قد استفاض وانتشر في أيدي الكافة فغير ممكن تغيير ألفاظه إلى غيرها لامتناع التواطؤ على مثلهم ، وما لم يستفض في الكافة وإنما كان علمه عند قوم من الخاصة يجوز على مثلهم التواطؤ ، فإنه جائز وقوع تغيير ألفاظه ومعانيه إلى غيرها وإثبات ألفاظ أخر سواها . وأما المستفيض الشائع في أيدي الكافة فإنما تحريفهم على تأويلات فاسدة ، كما تأولت المشبهة والمجبرة كثيرا من الآي المتشابهة على ما تعتقده من مذهبها وتدعي من معانيها ما يوافق اعتقادها دون حملها على معاني الآي المحكمة .
وإنما قلنا إنه [ ص: 42 ] غير جائز وقوع التحريف من جهة تغيير الألفاظ فيما استفاض وانتشر عند الكافة ، من قبل أن ذلك لا يقع إلا بالتواطؤ عليه ، ومثله مع اختلاف هممهم وتباعد أوطانهم لا يجوز وقوع التواطؤ منهم على مثله ، كما لا يجوز وقوع التواطؤ من المسلمين على تغيير شيء من ألفاظ القرآن إلى غيره؛ ولو جاز ذلك لجاز تواطؤهم على اختراع أخبار لا أصل لها ، ولو جاز ذلك لما صح أن يعلم بالأخبار شيء ؛ وقد علم بطلان هذا القول اضطرارا .