ولما كان محصل أمرهم الإعراض عما أتاهم بالتكذيب والإقبال على ما لم يأتهم بالطلب والتعنت كالسؤال عن الساعة، والأمر بالمنكر من الشرك وما يلزم منه من مساوي الأخلاق، والنهي عن المعروف الذي هو التوحيد وما يتبعه من محاسن الشرع، وذلك هو الجهل، وختم ذلك بالإخبار بأنه سبحانه أصلح له الدين بالكتاب، والدنيا بالحفظ من كل ما ينتاب، وكان حالهم ربما كان موئسا من فلاحهم، مفترا عن دعائهم إلى صلاحهم، كان الداعي لهم صلى الله عليه وسلم كأنه قال: فما أصنع في أمرهم؟ فأجابه بالتحذير من مثل حالهم والأمر بضد قالهم وفعالهم والإبلاغ في الرفق بهم فقال: خذ العفو أي: ما أتاك من الله والناس بلا جهد ومشقة، وهذا المادة تدور على السهولة، وتارة تكون من الكثرة وتارة من القلة، فعفا المال، أي: كثر، فصار يسهل إخراجه ويسمح به لزيادته عن الحاجة، وعفا المنزل، أي: درس، فسهل أمره حتى صار لا يلتفت إليه.
[ ص: 203 ] ولما أمره بذلك في نفسه، أمره به في غيره فقال: وأمر بالعرف أي: بكل ما عرفه الشرع وأجازه، فإنه من العفو سهولة وشرفا، وقد تضمن ذلك فأغنى بذلك عن ذكره لأن السياق للمساهلة; ولما أمره بالفعل في نفسه وغيره، أتبعه الترك فقال: النهي عن المنكر وأعرض عن الجاهلين أي: فلا تكافئهم بخفتهم وسفههم ولا تمارهم فإن ذلك أسهل من غيره، وذلك [بعد فضيحتهم بالدعاء، وذلك] لأن محط حالهم اتباع الهوى فيدعوهم إلى تكلف ضد هذه الخصال، وفيه إشارة إلى النهي عن أن يذهب نفسه عليهم حسرات مبالغة في الشفقة عليهم، وعن أنه ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها. جعفر الصادق