ولما كان المريد لإبطال الشيء - لشدة كراهته له لا يقنع في إبطاله بغيره، بل يأتيه بنفسه فيبطله، عبر بقوله: وقدمنا أي بما لنا من العظمة الباهرة في ذلك اليوم الذي يرون فيه الملائكة سواء كان في الدنيا أو في الآخرة إلى ما عملوا من عمل أي من مكارم الأخلاق [ ص: 371 ] من الجود وصلة الرحم والحلم والنجدة في الخير وإغاثة الملهوف وغيره فجعلناه لكونه لم يؤسس على الإيمان، وإنما هو للهوى والشيطان - باطلا لا نفع فيه، وهو معنى هباء وهو ما يرى في شعاع الشمس الداخل من الكوة مما يشبه الغبار، فهو أشبه شيء بالعدم لأنه لا نفع له أصلا.
ولما كان الهباء يرى مع السكون منتظما، فإذا حركته الريح تناثر وذهب كل مذهب، معظم دخوله في حيز العدم مع أنه محسوس، قال مبلغا في وصف أعمالهم: منثورا وهو صفة، وقيل: مفعول ثالث لجعل، أي جعلنا الأعمال جامعة لحقارة الهباء والتناثر.