فلما أساء الأدب ، [فاشتد تشوف السامع إلى معرفة جوابه عنه ، استأنف تعالى الإخبار بذلك ، فحكى أنه] ذكر له ما لا يمكنه أن يدعي طاعته له ، [وهو أكثر تغيرا وأعجب تنقلا] بأن قال رب المشرق والمغرب أي : الشروق والغروب ووقتهما وموضعهما وما بينهما أي : من الناس الذين ليسوا في طاعتكم ، والحيوان والجماد ، بسبب ما ترون من قدرته على تقليب النيرات من بزوغ الشمس والقمر والنجوم وأفولها [وما يظهر عنهما من الليل والنهار] على تصاريف مختلفة ، وحركات متقاربة [ ص: 27 ] لولا هي لما علمتم شيئا من أموركم ، ولا تمكنتم من أحوالكم ، وهذا الدليل أبين الكل لتكرر الحركة فيه وغير ذلك من معالمه ، ولذلك بهت نمرود لما ألقاه عليه الخليل عليه الصلاة والسلام.
ولما [دعاه صلى الله عليه وسلم باللين] فأساء الأدب عليه في الجواب الماضي ، ختم هذا البرهان بقوله : إن كنتم تعقلون أي : فأنتم تعلمون ذلك ، فخيرهم بين الإقرار بالجنون أو العقل ، بما أشار إليه من الأدلة في مقابلة ما نسبوه إليه من الجنون بسكوتهم وقول عظيمهم بغير شبهة ، ردا لهم عن الضلالة ، وإنقاذا من واضح الجهالة ، [فكان قوله أنكأ مع أنه ألطف ، وأوضح مع أنه أستر وأشرف].