ولما كان وكانوا أول من أصر وأطبق في ذلك الزمان على تكذيب الآيات ، وإخفاء الدلالات النيرات ، على تواليها وكثرتها ، وطول زمانها وعظمتها وكانت منابذة العقل واتباع الضلال في غاية الاستبعاد ، لاسيما إن كانت ضامنة للهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة ، قال تعالى في مظهر العظمة : "من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" وجعلناهم [أي : في الدنيا] أئمة أي : متبوعين في رد ما لا يرده عاقل من هذه الآيات ، أي : جعلنا أمرهم شهيرا حتى لا يكاد أحد يجهله ، فكل من فعل مثل أفعالهم من رد الحق والتجبر على الخلق ، فكأنه قد اختار الاقتداء [بهم] وإن لم يكن قاصدا ذلك ، فأطلق ذلك عليه رفعا له عن النسبة إلى أنه يعمل ما يلزمه الاتسام به وهو عاقل عنه كما أنه ، لأنه أول من سن القتل ، [ ص: 299 ] وأحق الناس باتباعهم في باطن اعتقادهم وظاهر اصطناعهم ، وخيبة آمالهم وأطماعهم أهل الإلحاد بمذهب الاتحاد أهلك الله أنصارهم ، وعجل دمارهم ، وكشف هذا المعنى بقوله : لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها يدعون أي : يوجدون الدعاء لمن اغتر بحالهم ، فضل ضلالهم إلى النار أي : [وجعلنا لهم أعوانا ينصرونهم] عكس ما أردنا لبني إسرائيل - كما سلف أول السورة - وجعلناهم موروثين.
ولما كان الغالب من حال الأئمة النصرة ، وكان قد أخبر عن خذلانهم في الدنيا ، قال : ويوم القيامة أي : الذي هو يوم التغابن لا ينصرون أي : لا يكون لهم نوع نصرة أصلا كما كانوا يوم هلاكهم في الدنيا سواء ، ولا هم أئمة ولا لهم دعوة ، يخلدون في العذاب ، ويكون لهم سوء المآب.