ولما ذكر إنزال الكتاب على تلك الحال العظيمة البركة لأجل الإرسال، وبين أن معظم ثمرة الإرسال الإنذار لما للمرسل إليهم من أنفسهم [ ص: 9 ] من التورا، دل على ذلك من التدبير المحكم الذي اقتضته حكمة التربية فقال: رب أي: مالك ومنشئ ومدبر السماوات أي: جميع الأجرام العلوية والأرض وما فيها وما بينهما مما تشاهدون من هذا الفضاء، وما فيه من الهواء وغيره، مما تعلمون من اكتساب العباد، وغيرهما مما لا تعلمون، ومن المعلوم أنه ذو العرش والكرسي فعلم بهذا أنه مالك الملك كله.
ولما كانوا مقرين بهذه الربوبية ويأنفون من وصفهم بأنهم غير محققين لشيء يعترفون به، أشار إلى ما يلزمهم بهذا الإقرار إن كانوا [كما] يزعمون من التحقيق [فقال]: إن كنتم موقنين أي: إن كان لكم إيقان بأنه الخالق لما ركز في غرائزكم وجبلاتكم رسوخ العلم الصافي السالم عن شوائب الأكدار من حظوظ النفوس وعوائق العلائق، فأنتم تعلمون أنه لا بد لهذه الأجرام الكثيفة جدا المتعالي بعضها عن بعض بلا ممسك تشاهدونه مع تغير كل منها بأنواع الغير من رب، وأنه لا يكون وهي على [هذا] النظام إلا وهو [ ص: 10 ] كامل العلم شامل القدرة، مختار في تدبيره، حكيم في شأنه كله وجميع تقديره، وأنه لا يجوز في الحكمة أن يدع من فيها من العلماء العقلاء الذين هم خلاصة ما فيهما هملا يبغي بعضهم على بعض من غير رسول معلم بأوامره، وأحكامه وزواجره، منبه لهم على أنه ما خلق هذا الخلق كله إلا لأجلهم، ليحذروا سطواته ويقيدوا بالشكر على ما حباهم به من أنواع هباته.