وإن أخاك الحق من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك
ولما كانوا - بنزول ما في أسفار الأنبياء من بني إسرائيل والزبور والإنجيل خالية من الأحكام والحدود إلا يسيرا من ذلك في الإنجيل - قاطعين أو كالقاطعين بأنه لا ينزل كتاب يناظر التوراة في الأحكام والحدود [ ص: 181 ] وغيرها، فكان قومهم ربما توقفوا في الإخبار بإنزال ما هو أشرف من ذلك، أكدوا قولهم: إنا سمعنا أي: بيننا وبين القارئ واسطة، وأشاروا إلى أنه لم ينزل بعد التوراة شيء جامع لجميع ما يراد منه، مغن عن جميع الكتب غير هذا، وبذلك عرفوا أنه ناسخ لجميع الشرائع فقالوا على سبيل التبيين لما سمعوا: كتابا أي: ذكرا جامعا، لا كما نزل بعد التوراة على بني إسرائيل أنـزل أي: ممن لا منزل في الحقيقة غيره، وهو مالك الملك وملك الملوك لأن عليه من رونق الكتب الإلهية ما يوجب القطع لسامعه بأنه منها فكيف إذا انضم إلى ذلك الإعجاز، وعلموا قطعا بعربيته أنه عربي وبأنهم كانوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها ويسمعون قراءة الناس لما يحدثونه من الحكم والخطب والكهانة والرسائل والأشعار، وبأنه مباين لجميع ذلك أنه قريب العهد بالنزول من محل العظمة، فقالوا مثبتين للجار: من بعد موسى عليه الصلاة والسلام، فلم يعتدوا بما أنزل بين هذا الكتاب وبين التوراة من الإنجيل وما قبله، لأنه لا يساوي التوراة في الجمع، ولا يعشر هذا الكتاب في الأحكام والحكم واللطائف والمواعظ [مع] ما زاد [ ص: 182 ] به من الإعجاز وغيره.ولما أخبروا بأنه منزل، أتبعوه ما يشهد له بالصحة فقالوا: مصدقا لما بين يديه أي: من جميع كتب بني إسرائيل الإنجيل وما قبله; ثم بينوا تصديقه بقولهم: يهدي إلى الحق أي: الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع فلا يقدر أحد على إزالة شيء مما يخبر به، الكامل في جميع ذلك وإلى طريق موصل إلى المقصود الأعظم وهو الإيمان بمنزله مستقيم فهو يوصل بغاية ما يمكن من السرعة، لا يمكن أن يكون فيه عوج، فيقدر السالك فيه على أن يختصر طريقا يكون وترا لما تقوس منه.