ولما أتم قصة من أهلكوا بما من شأنه الإهلاك وهو الصاعقة، أتبعهم قصة من أهلكوا بما من شأنه الإحياء، وهو الماء الذي جل ما يشتمل عليه الحلامات التي أثارتها الذاريات، وقد كانوا موجودين في الأرض والسماء - وأسبابه مهيأة - وهم لا يحسون بشيء من ذلك، [ ص: 473 ] وأما عبادنا المؤمنون فهيأنا لهم أسباب النجاة من السفينة وغيرها، وأعلمناهم بها، فكان كل ما أردنا وقاله عنا أولياؤنا فقال مغيرا للأسلوب تنبيها على العظمة بنفس الإهلاك لكونه بما من شأن الإحياء والإبقاء والتصرف في الأسباب: وقوم أي: وأهلكنا قوم نوح على ما كان فيهم من الكثرة وقوة المحاولة والقيام بما يريدونه، ويجوز أن يكون معطوفا على "فيها" أي: وتركناهم آية، ويحسن هذا الإعراب أنهم هلكوا جميعا وكانوا جميع أهل الأرض، وعم عذابهم جميع الأرض، كانوا لهم الآية، ويؤيد هذا الإعراب قراءة أبي عمرو وحمزة بالجر عطفا على ضمير "فيها". والكسائي
ولما كان إهلاكهم على عظمه وانتشاره في بعض الزمان، أدخل الجار فقال: من قبل أي: قبل هذه الأمم كلها، ثم علل إهلاكهم بقوله: إنهم كانوا خلقا وطبعا، لا حيلة لغيرنا من أهل الأسباب في صلاحهم قوما أي: أقوياء فاسقين أي: عريقين في الخروج عن حظيرة الدين.