آ. (46) قوله تعالى: وعند الله مكرهم : يجوز أن يكون هذا المصدر مضافا لفاعله كالأول بمعنى: أن مكرهم الذي مكروه جزاؤه عند الله تعالى، أو للمفعول، بمعنى: أن عند الله مكرهم الذي يمكرهم به، أي: يعذبهم. قالهما . قال الشيخ: وهذا لا يصح إلا إن كان "مكر" يتعدى بنفسه كما قال هو، إذ قدر: يمكرهم به، والمحفوظ أن "مكر" لا يتعدى إلى مفعول به بنفسه. قال تعالى: الزمخشري وإذ يمكر بك الذين كفروا ، وتقول: زيد ممكور به، ولا يحفظ "زيد ممكور" بسبب كذا. [ ص: 126 ] قوله "لتزول" قرأ العامة بكسر اللام، بفتحها فأما القراءة الأولى ففيها ثلاثة أوجه، أحدها: أنها نافية، واللام لام الجحود; لأنها بعد كون منفي، وفي والكسائي "كان" حينئذ قولان، أحدهما: أنها تامة، والمعنى: تحقير مكرهم، أنه ما كان لتزول منه الشرائع التي كالجبال في ثبوتها وقوتها. ويؤيد كونها نافية قراءة "وما كان مكرهم". القول الثاني: أنها ناقصة، وفي خبرها القولان المشهوران بين البصريين والكوفيين: هل هو محذوف واللام متعلقة به، وإليه ذهب البصريون، أو هذه اللام وما جرته، كما هو مذهب الكوفيين، وقد تقرر هذا في آخر آل عمران. عبد الله:
الوجه الثاني: أن تكون المخففة من الثقيلة. قال : "وإن عظم مكرهم وتبالغ في الشدة، فضرب زوال الجبال منه مثلا لشدته، أي: وإن كان مكرهم معدا لذلك". وقال الزمخشري "ويحتمل عندي أن يكون معنى هذه القراءة: تعظيم مكرهم، أي: وإن كان شديدا، إنما يفعل لتذهب به عظام الأمور"، فمفهوم هذين الكلامين أنها مخففة لأنه إثبات. ابن عطية:
والثالث: أنها شرطية، وجوابها محذوف، أي: وإن كان مكرهم معدا لإزالة أشباه الجبال الرواسي، وهي المعجزات والآيات، فالله مجازيهم بمكر هو أعظم منه. وقد رجح الوجهان الأخيران على الأول وهو أنها نافية; لأن فيه [ ص: 127 ] معارضة لقراءة الكسائي، وذلك أن قراءته تؤذن بالإثبات، وقراءة غيره تؤذن بالنفي.
وقد أجاب بعضهم عن ذلك بأن الحال في قراءة مشار بها إلى أمور عظام غير الإسلام ومعجزاته كمكرهم صلاحية إزالتها، وفي قراءة الجماعة مشار بها إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الدين الحق، فلا تعارض، إذ لم يتواردا على معنى واحد نفيا وإثباتا. الكسائي
وأما قراءة ففي "إن" وجهان: مذهب البصريين، أنها المخففة واللام فارقة، ومذهب الكوفيين: أنها نافية واللام بمعنى "إلا"، وقد تقدم تحقيق المذهبين. الكسائي
وقرأ عمر وعلي وعبد الله وزيد بن علي وأبو سلمة وجماعة: "وإن كاد مكرهم لتزول" كقراءة إلا أنهم جعلوا مكان نون "كان" دالا فعل مقاربة، وتخريجها كما تقدم، ولكن الزوال غير واقع. الكسائي
وقرئ: "لتزول" بفتح اللامين. وتخريجهما على إشكالها أنها جاءت على لغة من يفتح لام "كي".