آ. (90) قوله تعالى: كما أنزلنا : فيه أقوال، أحدهما: أن الكاف متعلق بـ "آتيناك"، وإليه ذهب فإنه قال: "أي: أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب، وهم المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين". والثاني: أنه نعت لمصدر محذوف منصوب بـ "آتيناك" تقديره: آتيناك إتيانا كما أنزلنا. الثالث: أنه منصوب نعتا لمصدر محذوف، ولكنه ملاق لـ "آتيناك" من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، تقديره: أنزلنا إليك إنزالا كما أنزلنا، لأن "آتيناك" بمعنى أنزلنا إليك. الرابع: أنه نعت لمصدر محذوف، العامل فيه مقدر أيضا تقديره: متعناهم تمتيعا كما أنزلنا، والمعنى: نعمنا بعضهم كما عذبنا بعضهم. الخامس: أنه صفة لمصدر دل عليه "النذير" والتقدير: أنا النذير إنذارا كما أنزلنا، أي: مثل ما أنزلناه. الزمخشري
السادس: أنه نعت لمفعول محذوف، الناصب له "النذير"، تقديره: النذير عذابا، كما أنزلنا على المقتسمين، وهم قوم صالح لأنهم قالوا: لنبيتنه وأهله فأقسموا على ذلك، أو يراد بهم قريش حيث قسموا القرآن إلى سحر وشعر وافتراء. وقد رد بعضهم هذا بأنه يلزم منه إعمال الوصف موصوفا، وهو غير جائز عند البصريين، جائز عند الكوفيين، فلو عمل ثم وصف جاز عند الجميع. [ ص: 180 ] السابع: أنه مفعول به، ناصبه "النذير" أيضا. قال : والثاني: أن يتعلق بقوله: الزمخشري "وقل: إني أنا النذير المبين، أي: وأنذر قريشا مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين، يعني اليهود وهو ما جرى على قريظة والنضير". وهذا مردود بما تقدم من إعمال الوصف موصوفا.
الثامن: أنه منصوب نعتا لمفعول به مقدر، والناصب لذلك المحذوف مقدر لدلالة لفظ "النذير" عليه، أي: أنذركم عذابا مثل العذاب المنزل على المقتسمين، وهم قوم صالح أو قريش، قاله وكأنه فر من كونه منصوبا بلفظ "النذير" لما تقدم من الاعتراض البصري. أبو البقاء،
وقد اعترض على القول السادس فقال: والكاف من قوله ابن عطية "كما" متعلقة بفعل محذوف تقديره: وقل إني أنا النذير المبين عذابا كما أنزلنا، فالكاف اسم في موضع نصب، هذا قول المفسرين. وهو عندي غير صحيح، لأن كما أنزلنا ليس مما يقوله محمد عليه السلام، بل هو من كلام الله تعالى، فينفصل الكلام، وإنما يترتب هذا القول بأن الله تعالى قال له: أنذر عذابا كما. والذي أقول في هذا: "المعنى: وقل إني أنا النذير المبين، كما قال قبلك رسلنا، وأنزلنا عليهم كما أنزلنا عليك. ويحتمل أن يكون المعنى: وقل إني أنا النذير المبين، كما قد أنزلنا في الكتب أنك ستأتي نذيرا، على أن المقتسمين أهل الكتاب". انتهى. [ ص: 181 ] وقد اعتذر بعضهم عما قاله أبو محمد فقال: "الكاف متعلقة بمحذوف دل عليه المعنى تقديره: أنا النذير بعذاب مثل ما أنزلنا، وإن كان المنزل الله، كما يقول بعض خواص الملك: أمرنا بكذا، وإن كان الملك هو الآمر، وأما قول أبي محمد: وأنزلنا عليهم كما أنزلنا عليك كلام غير منتظم، ولعل أصله: وأنزلنا عليك كما أنزلنا عليهم، كذا أصلحه الشيخ، وفيه نظر: كيف يقدر ذلك والقرآن ناطق بخلافه: وهو قوله: على المقتسمين ؟
التاسع: أنه متعلق بقوله: لنسألنهم تقديره: لنسألنهم أجمعين مثل ما أنزلنا.
العاشر: أن الكاف مزيدة تقديره: أنا النذير المبين ما أنزلناه على المقتسمين، ولا بد من تأويل ذلك: على أن "ما" مفعول بالنذير عند الكوفيين فإنهم يعملون الوصف الموصوف، أو على إضمار فعل لائق، أي: أنذركم ما أنزلناه كما يليق بمذهب البصريين.
الحادي عشر: أنه متعلق بـ "قل" التقدير: وقل قولا كما أنزلنا على المقتسمين: إنك نذير لهم، فالقول للمؤمنين في النذارة كالقول للكفار المقتسمين; لئلا تظن أن إنذارك للكفار مخالف لإنذار المؤمنين، بل أنت في وصف النذارة لهم بمنزلة واحدة، تنذر المؤمن كما تنذر الكافر، كأنه قال: أنا النذير المبين لكم ولغيركم.