فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين
قوله تعالى: فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وقرأ وأهل ابن عامر ، الكوفة إلا عاصما "ولكن الله قتلهم" "ولكن الله رمى" بتخفيف النون ورفع اسم الله فيهما . وسبب نزول هذا الكلام أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجعوا عن بدر جعلوا يقولون: قتلنا وقتلنا ، هذا معنى قول مجاهد .
فأما قوله تعالى: وما رميت إذ رميت ففي سبب نزوله ثلاثة أقوال .
أحدها: ناولني كفا من حصباء ، فناوله ، فرمى به في وجوه القوم ، فما بقي منهم أحد إلا وقعت في عينه حصاة" . لعلي: وقيل: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أخذ قبضة من تراب ، فرمى بها ، وقال: "شاهت الوجوه" فما بقي مشرك إلا شغل بعينه يعالج التراب الذي فيها ، فنزلت وما رميت إذ رميت ولكن الله [ ص: 333 ] رمى وذلك يوم بدر; هذا قول الأكثرين . وقال وتأويل شاهت: قبحت; يقال: شاه وجهه يشوه شوها وشوهة ، ويقال: رجل أشوه ، وامرأة شوهاء: إذا كانا قبيحين . ابن الأنباري:
والثاني: أن أبي بن خلف أقبل يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريده ، فاعترض له رجال من المؤمنين ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخلوا سبيله ، وطعنه النبي صلى الله عليه وسلم بحربته ، فسقط أبي عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم ، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور ، فقالوا: إنما هو خدش ، فقال والذي نفسي بيده ، لو كان الذي بي بأهل المجاز لماتوا أجمعون ، فمات قبل أن يقدم مكة; فنزلت هذه الآية ، رواه عن أبيه . سعيد بن المسيب
والثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى يوم خيبر بسهم ، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق وهو على فراشه ، فنزلت هذه الآية ، ذكره في آخرين . أبو سليمان الدمشقي
قوله تعالى: ولكن الله قتلهم اختلفوا في معنى إضافة قتلهم إليه على أربعة أقوال .
أحدها: أنه قتلهم بالملائكة الذين أرسلهم . والثاني: أنه أضاف القتل إليه لأنه تولى نصرهم . والثالث: لأنه ساقهم إلى المؤمنين ، وأمكنهم منهم . والرابع: لأنه ألقى الرعب في قلوبهم . وفي قوله: وما رميت إذ رميت ثلاثة أقوال .
أحدها: أن المعنى: وما ظفرت أنت ولا أصبت ، ولكن الله أظفرك وأيدك ، قاله [ ص: 334 ] والثاني: وما بلغ رميك كفا من تراب أو حصى أن تملأ عيون ذلك الجيش الكثير ، إنما الله تولى ذلك; قاله أبو عبيدة . . الزجاج
والثالث: وما رميت قلوبهم بالرعب إذ رميت وجوههم بالتراب; ذكره ابن الأنباري .
قوله تعالى: وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا أي: لينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والأجر . إن الله سميع لدعائهم عليم بنياتهم .
قوله تعالى: ذلكم قال : موضعه رفع; والمعنى: الأمر ذلكم . وقال غيره: "ذلكم" إشارة إلى القتل والرمي والبلاء الحسن . وأن الله أي: واعلموا أن الله . والذي ذكرناه في فتح "أن" في قوله: الزجاج وأن للكافرين عذاب النار هو مذكور في فتح "أن" هذه .
قوله تعالى: موهن قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمر "موهن" بفتح الواو وتشديد الهاء منونة "كيد" بالنصب . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، عن وأبو بكر "موهن" ساكنة الواو "كيد" بالنصب . وروى حفص عن عاصم "موهن كيد" مضاف . والموهن: المضعف ، والكيد: المكر . عاصم