وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
قوله تعالى: وإذ يمكر بك الذين كفروا هذه الآية متعلقة بقوله: واذكروا إذ أنتم قليل [الأعراف: 86] فالمعنى: أذكر المؤمنين ما من الله به عليهم ، واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا .
الإشارة إلى كيفية مكرهم
قال أهل التفسير: لما بويع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ، وأمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة ، أشفقت قريش أن يعلو أمره ، وقالوا: والله لكأنكم به قد كر عليكم بالرجال ، فاجتمع جماعة من أشرافهم ليدخلوا دار الندوة فيتشاوروا في أمره ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ كبير ، فقالوا: من أنت؟ قال أنا شيخ من [ ص: 347 ] أهل نجد ، سمعت ما اجتمعتم له ، فأردت أن أحضركم ، ولن تعدموا من رأيي نصحا ، فقالوا: ادخل ، فدخل معهم ، فقالوا: انظروا في أمر هذا الرجل ، فقال بعضهم: احبسوه في وثاق ، وتربصوا به ريب المنون . فقال إبليس: ما هذا برأي ، يوشك أن يثب أصحابه فيأخذوه من أيديكم . فقال قائل: أخرجوه من بين أظهركم . فقال: ما هذا برأي ، يوشك أن يجمع عليكم ثم يسير إليكم . فقال أبو جهل: نأخذ من كل قبيلة غلاما ، ثم نعطي كل غلام سيفا فيضربوه به ضربة رجل واحد ، فيفرق دمه في القبائل ، فما ظن هذا الحي من قريش يقوى على ضرب قريش كلها ، فيقبلون العقل ونستريح . فقال إبليس: هذا والله الرأي . فتفرقوا عن ذلك . وأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه ، وأخبره بمكر القوم ، فلم يبت في مضجعه تلك الليلة ، وأمر فبات في مكانه ، وبات المشركون يحرسونه ، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أذن له الله في الخروج إلى عليا المدينة ، وجاء المشركون لما أصبحوا ، فرأوا عليا ، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري ، فاقتصوا أثره حتى بلغوا الجبل ، فمروا بالغار ، فرأوا نسج العنكبوت ، فقالوا: لو دخله لم يكن عليه نسج العنكبوت . فأما قوله: ليثبتوك فقال معناه: ليحبسوك . يقال: فلان مثبت وجعا: إذا لم يقدر على الحركة . وللمفسرين فيه قولان . [ ص: 348 ] أحدهما: ليثبتوك في الوثاق ، قاله ابن قتيبة: ابن عباس ، في آخرين . والحسن
والثاني: ليثبتوك في الحبس ، قاله عطاء ، في آخرين . وكان القوم أرادوا أن يحبسوه في بيت ويشدوا عليه بابه ويلقوا إليه الطعام والشراب ، وقد سبق بيان المكر في [آل عمران:54] . والسدي