قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا . [ ص: 259 ]
قوله تعالى : " قل من كان في الضلالة " ; أي : في الكفر والعمى عن التوحيد ، " فليمدد له الرحمن " قال : وهذا لفظ أمر ومعناه الخبر ، والمعنى : أن الله تعالى جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها . قال الزجاج : خاطب الله ابن الأنباري العرب بلسانها ، وهي تقصد التوكيد للخبر بذكر الأمر ، يقول أحدهم : إن زارنا عبد الله فلنكرمه ، يقصد التوكيد ، وينبه على أني ألزم نفسي إكرامه . ويجوز أن تكون اللام لام الدعاء على معنى : قل يا محمد : من كان في الضلالة ، فاللهم مد له في النعم مدا . قال المفسرون : ومعنى مد الله تعالى له : إمهاله في الغي . " حتى إذا رأوا " يعني : الذين مدهم في الضلالة ، وإنما أخبر عن الجماعة ; لأن لفظ " من " يصلح للجماعة . ثم ذكر ما يوعدون فقال : " إما العذاب " يعني : القتل والأسر ، " وإما الساعة " يعني : القيامة وما وعدوا فيها من الخلود في النار ، " فسيعلمون من هو شر مكانا " في الآخرة ، أهم أم المؤمنون ؟ لأن مكان هؤلاء الجنة ومكان هؤلاء النار ، ويعلمون بالنصر والقتل من " أضعف جندا " جندهم أم جند رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا رد عليهم في قولهم : " أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا " .
قوله تعالى : " ويزيد الله الذين اهتدوا هدى " فيه خمسة أقوال :
أحدها : ويزيد الله الذين اهتدوا بالتوحيد إيمانا . والثاني : يزيدهم بصيرة في دينهم . والثالث : يزيدهم بزيادة الوحي إيمانا ، فكلما نزلت سورة زاد إيمانهم . والرابع : يزيدهم إيمانا بالناسخ والمنسوخ . والخامس : يزيد الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالناسخ . قال : المعنى : أن الله تعالى يجعل جزاءهم أن يزيدهم يقينا ، كما جعل جزاء الكافر أن يمده في ضلالته . الزجاج
قوله تعالى : " والباقيات الصالحات " قد ذكرناها في سورة ( الكهف : 46 ) . [ ص: 260 ]
قوله تعالى : " وخير مردا " المرد هاهنا مصدر مثل الرد ، والمعنى : وخير ردا للثواب على عامليها ، فليست كأعمال الكفار التي خسروها فبطلت .