[ ص: 268 ]
سورة طه
بسم الله الرحمن الرحيم
طه ما أنـزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنـزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى .
وهي مكية كلها بإجماعهم ، وفي سبب نزول ( طه ) ثلاثة أقوال :
أحدها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يراوح بين قدميه ، يقوم على رجل ، حتى نزلت هذه الآية ، قاله [ علي ] عليه السلام .
والثاني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه القرآن صلى هو وأصحابه فأطال القيام ، فقالت قريش : ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى ، فنزلت هذه الآية ، قاله . [ ص: 269 ] الضحاك
والثالث : أن أبا جهل ، والنضر بن الحارث ، والمطعم بن عدي ، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لتشقى بترك ديننا ، فنزلت هذه الآية ، قاله . مقاتل
وفي " طه " قراءات . قرأ ابن كثير : ( طه ) بفتح الطاء والهاء . وقرأ وابن عامر ، حمزة ، والكسائي عن وأبو بكر بكسر الطاء والهاء . وقرأ عاصم : ( طه ) بين الفتح والكسر ، وهو إلى الفتح أقرب ، كذلك قال نافع عن خلف المسيبي . وقرأ بفتح الطاء وكسر الهاء ، وروى عنه أبو عمرو عباس مثل . وقرأ حمزة ، ابن مسعود وأبو رزين العقيلي ، ، وسعيد بن المسيب بكسر الطاء وفتح الهاء . وقرأ وأبو العالية : ( طه ) بفتح الطاء وسكون الهاء . وقرأ الحسن الضحاك : ( طه ) بكسر الطاء وسكون الهاء . ومورق
واختلفوا في معناها على أربعة أقوال :
أحدها : أن معناها : يا رجل ، رواه عن العوفي ، وبه قال ابن عباس ، الحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، واختلف هؤلاء بأي لغة هي ، على أربعة أقوال : أحدها : بالنبطية ، رواه وعكرمة عن عكرمة ، وبه قال ابن عباس في رواية ، سعيد بن جبير . والثاني : بلسان عك ، رواه والضحاك عن أبو صالح . والثالث : بالسريانية ، قاله ابن عباس في رواية ، عكرمة في رواية ، وسعيد بن جبير . والرابع : بالحبشية ، قاله وقتادة في رواية . قال عكرمة : ولغة ابن الأنباري قريش وافقت هذه اللغة في المعنى .
والثاني : أنها حروف من أسماء . ثم فيها قولان : أحدهما : أنها من أسماء الله تعالى ، ثم فيها قولان : أحدهما : أن الطاء من اللطيف ، والهاء من الهادي ، قاله ابن مسعود . والثاني : أن الطاء افتتاح اسمه ( طاهر ) و( طيب ) ، [ ص: 270 ] والهاء افتتاح اسمه ( هادي ) ، قاله وأبو العالية . والقول الثاني : أنها من غير أسماء الله تعالى ، ثم فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن الطاء من سعيد بن جبير طابة ، وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والهاء من مكة ، حكاه . والثاني : أن الطاء طرب أهل الجنة ، والهاء هوان أهل النار . والثالث : أن الطاء في حساب الجمل تسعة والهاء خمسة ، فتكون أربعة عشر . فالمعنى : يا أيها البدر ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، حكى القولين أبو سليمان الدمشقي . الثعلبي
والثالث : أنه قسم أقسم الله به ، وهو من أسمائه ، رواه علي بن أبي طلحة عن . وقد شرحنا معنى كونه اسما في فاتحة ( مريم ) . وقال ابن عباس : أقسم الله بطوله وهدايته ، وهذا القول قريب المعنى من الذي قبله . القرظي
والرابع : أن معناه : طإ الأرض بقدميك ، قاله . ومعنى قوله : " مقاتل بن حيان لتشقى " : لتتعب وتبلغ من الجهد ما قد بلغت ، وذلك أنه اجتهد في العبادة وبالغ ، حتى إنه كان يراوح بين قدميه لطول القيام ، فأمر بالتخفيف .
قوله تعالى : " إلا تذكرة " قال : هو بدل من قوله : " الأخفش لتشقى " ، ما أنزلناه إلا تذكرة ; أي : عظة .
قوله تعالى : " تنزيلا " قال : المعنى : أنزلناه تنزيلا ، و " الزجاج العلا " جمع العليا ، تقول : سماء عليا وسماوات على ، مثل : الكبرى والكبر ، فأما " الثرى " فهو التراب الندي ، والمفسرون يقولون : أراد : الثرى الذي تحت الأرض السابعة .
قوله تعالى : " وإن تجهر بالقول " ; أي : ترفع صوتك ، " فإنه يعلم السر " والمعنى : لا تجهد نفسك برفع الصوت ، فإن الله يعلم السر . [ ص: 271 ]
وفي المراد بـ " السر وأخفى " خمسة أقوال :
أحدها : أن السر : ما أسره الإنسان في نفسه ، وأخفى : ما لم يكن بعد وسيكون ، رواه جماعة عن ، وبه قال ابن عباس . الضحاك
والثاني : أن السر : ما حدثت به نفسك ، وأخفى : ما لم تلفظ به ، قاله . سعيد بن جبير
والثالث : أن السر : العمل الذي يسره الإنسان من الناس ، وأخفى منه : الوسوسة ، قاله . مجاهد
والرابع : أن معنى الكلام : يعلم إسرار عباده ، وقد أخفى سره عنهم فلا يعلم ، قاله وابنه . زيد بن أسلم
والخامس : يعلم ما أسره الإنسان إلى غيره ، وما أخفاه في نفسه ، قاله . الفراء
قوله تعالى : " له الأسماء الحسنى " قد شرحناه في ( الأعراف : 180 ) .