يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون .
قوله تعالى : " يا أيها الرسل " قال ، ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد في آخرين : يعني بالرسل هاهنا : وقتادة محمدا صلى الله عليه وسلم وحده ، وهو مذهب العرب في مخاطبة الواحد خطاب الجميع ، ويتضمن هذا أن الرسل جميعا كذا أمروا ، وإلى هذا المعنى ذهب ابن قتيبة ، والمراد بالطيبات : الحلال . قال والزجاج : كان عمرو بن شرحبيل عيسى عليه السلام يأكل من غزل أمه . [ ص: 478 ]
قوله تعالى : " وإن هذه أمتكم " قرأ ، ابن كثير ، ونافع : ( وأن ) بالفتح وتشديد النون . وافق وأبو عمرو في فتح الألف ، لكنه سكن النون . وقرأ ابن عامر ، عاصم ، وحمزة : ( وإن ) بكسر الألف وتشديد النون . قال والكسائي : من فتح عطف على قوله : " الفراء إني بما تعملون عليم " ، وبأن هذه أمتكم ، فموضعها خفص ; لأنها مردودة على " ما " ، وإن شئت كانت منصوبة بفعل مضمر ، كأنك قلت : واعلموا هذا ، ومن كسر استأنف . قال : وأما أبو علي الفارسي فإنه خفف النون المشددة ، وإذا خففت تعلق بها ما يتعلق بالمشددة . وقد شرحنا معنى الآية والتي بعدها في ( الأنبياء : 92 ) إلى قوله : " ابن عامر زبرا " وقرأ ابن عباس : ( زبرا ) برفع الزاي وفتح الباء . وقرأ وأبو عمران الجوني أبو الجوزاء وابن السميفع : ( زبرا ) برفع الزاي وإسكان الباء . قال : من قرأ : ( زبرا ) بضم الباء ، فتأويله : جعلوا دينهم كتبا مختلفة ، جمع زبور . ومن قرأ : ( زبرا ) بفتح الباء ، أراد : قطعا . الزجاج
قوله تعالى : " كل حزب بما لديهم فرحون " ; أي : بما عندهم من الدين الذي ابتدعوه معجبون ، يرون أنهم على الحق .
وفي المشار إليهم قولان :
أحدهما : أنهم أهل الكتاب ، قاله . مجاهد
والثاني : أنهم أهل الكتاب ومشركو العرب ، قاله . [ ص: 479 ] ابن السائب
قوله تعالى : " فذرهم في غمرتهم " وقرأ ابن مسعود : ( في غمراتهم ) على الجمع . قال وأبي بن كعب : في عمايتهم وحيرتهم . " الزجاج حتى حين " ; أي : إلى حين يأتيهم ما وعدوا به من العذاب . قال : يعني : كفار مقاتل مكة .
فصل
وهل هذه الآية منسوخة أم لا ؟ فيها قولان :
أحدهما : أنها منسوخة بآية السيف . والثاني : أن معناها التهديد فهي محكمة .
قوله تعالى : " أيحسبون أنما نمدهم به " وقرأ عكرمة : ( يمدهم ) بالياء المرفوعة وكسر الميم . وقرأ وأبو الجوزاء : ( نمدهم ) بنون مفتوحة ورفع الميم . قال أبو عمران الجوني : المعنى : أيحسبون أن الذي نمدهم به " الزجاج من مال وبنين " مجازاة لهم ؟ إنما هو استدراج . " نسارع لهم في الخيرات " ; أي : نسارع لهم به في الخيرات . وقرأ ، ابن عباس ، وعكرمة : ( يسارع ) بياء مرفوعة وكسر الراء . وقرأ وأيوب السختياني معاذ القارئ مثله ، إلا أنهما فتحا الراء . وقرأ وأبو المتوكل ، أبو عمران الجوني وعاصم الجحدري ، وابن السميفع : ( يسرع ) بياء مرفوعة وسكون السين ونصب الراء من غير ألف .
قوله تعالى : " بل لا يشعرون " ; أي : لا يعلمون أن ذلك استدراج لهم .