زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين [ ص: 282 ] فيها أبدا ذلك الفوز العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم
قوله تعالى: زعم الذين كفروا كان يقول: ( زعموا ) كناية الكذب . وكان ابن عمر يكره أن يقول الرجل: زعم فلان . مجاهد
قوله تعالى: وذلك على الله يسير يعني: البعث ، "والنور" هو القرآن، وفيه بيان أمر البعث والحساب والجزاء .
قوله تعالى: يوم يجمعكم هو منصوب بقوله تعالى: لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم يوم يجمعكم ليوم الجمع وهو يوم القيامة . وسمي بذلك لأن الله تعالى يجمع فيه الجن والإنس، وأهل السموات، وأهل الأرض ذلك يوم التغابن تفاعل من الغبن، وهو فوت الحظ . والمراد في تسميته يوم القيامة بيوم التغابن فيه أربعة أقوال .
أحدها: أنه ليس من كافر، إلا وله منزل وأهل في الجنة فيرث ذلك المؤمن، فيغبن حينئذ الكافر، ذكر هذا المعنى عن أبو صالح ابن عباس .
[ ص: 283 ] والثاني: غبن أهل الجنة أهل النار، قاله مجاهد، والثالث: أنه يوم غبن المظلوم الظالم، لأن المظلوم كان في الدنيا مغبونا، فصار في الآخرة غابنا، ذكره والقرظي . الماوردي .
والرابع: أنه يوم يظهر فيه غبن الكافر بتركه للإيمان، وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان، ذكره قال الثعلبي . وإنما ذكر ذلك مثلا للبيع والشراء، كقوله تعالى: الزجاج: فما ربحت تجارتهم [البقرة: 16]، وقوله تعالى: هل أدلكم على تجارة [الصف: 10] وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: يكفر عنه سيئاته قرأ نافع، وابن عامر، والمفضل عن "نكفر" "وندخله" بالنون فيهما . والباقون: بالياء عاصم ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله قال بعلمه وقضائه ابن عباس: ومن يؤمن بالله يهد قلبه فيه ستة أقوال .
أحدها: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، رواه علي بن أبي طلحة عن وقال ابن عباس . هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من قبل الله تعالى، فيسلم، ويرضى . علقمة:
والثاني: يهد قلبه للاسترجاع، وهو أن يقول: إنا لله، وإنا إليه راجعون قاله مقاتل .
والثالث: أنه إذا ابتلي صبر، وإذا أنعم عليه شكر، وإذا ظلم غفر، قاله ابن السائب، وابن قتيبة .
والرابع: يهد قلبه، أي: يجعله مهتديا، قاله والخامس: [يهد وليه بالصبر والرضى، قاله الزجاج . والسادس: ] يهد قلبه لاتباع السنة إذا صح إيمانه، قاله أبو بكر الوراق . وقرأ أبو عثمان الحيري . أبو بكر الصديق، وعاصم الجحدري، وأبو نهيك: "يهد" بياء مفتوحة . [ ص: 284 ] ونصب الدال "قلبه" بالرفع . قال هذا من هدأ يهدأ: إذا سكن . الزجاج:
فالمعنى: إذا سلم لأمر الله سكن قلبه . وقرأ عثمان بن عفان، والضحاك، وطلحة بن مصرف، والأزرق عن "نهد" بالنون . وقرأ حمزة: علي بن أبي طالب، "يهد" بضم الياء، وفتح الدال "قلبه" بالرفع . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: وأبو عبد الرحمن: إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم سبب نزولها أن الرجل كان يسلم . فإذا أراد الهجرة منعه أهله، وولده، وقالوا: ننشدك الله أن تذهب وتدع أهلك وعشيرتك وتصير إلى المدينة بلا أهل ولا مال . فمنهم من يرق لهم، ويقيم فلا يهاجر، فنزلت هذه الآية . فلما هاجر أولئك، ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوا أهلهم الذين منعوهم، فأنزل الله تعالى: وإن تعفوا وتصفحوا إلى آخر الآية، هذا قول وقال ابن عباس . لما أرادوا الهجرة قال لهم أزواجهم، وأولادهم: قد صبرنا لكم على مفارقة الدين ولا نصبر لكم على مفارقتكم، ومفارقة الأموال، والمساكن، فأعلم الله عز وجل أن من كان بهذه الصورة، فهو عدو، وإن كان ولدا، أو كانت زوجة . وقال الزجاج: كان حب الرجل ولده وزوجته يحمله على قطيعة رحمه ومعصية ربه . وقال مجاهد: كان من أزواجهم، وأولادهم من ينهاهم عن الإسلام، ويثبطهم عنه، فخرج في قوله تعالى: قتادة: عدوا لكم ثلاثة أقوال .
[ ص: 285 ] أحدها: بمنعه من الهجرة، وهذا على قول والثاني: بكونهم سببا للمعاصي، وعلى هذا قول ابن عباس . والثالث: بنهيهم عن الإسلام، وهذا على قول مجاهد . قتادة .
قوله تعالى: فاحذروهم قال لا تطيعوهم في التخلف . الفراء:
قوله تعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة أي: بلاء وشغل عن الآخرة . فالمال والأولاد يوقعان في العظائم إلا من عصمه الله . وقال أي: إغرام . يقال: فتن فلان بالمرأة، وشغف بها، أي: أغرم بها . وقال ابن قتيبة: قال أهل المعاني: إنما دخل "من" في قوله تعالى: الفراء: إن من أزواجكم لأنه ليس كل الأزواج، والأولاد أعداء . ولم يذكر "من" في قوله تعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة لأنها لا تخلو من الفتنة، واشتغال القلب بها . وقد روى بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن، والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان، ويعثران، فنزل من المنبر، فحملهما، فوضعهما بين يديه ثم قال: "صدق الله عز وجل: إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان، ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي، ورفعتهما . أنه كان يخطب، فجاء
قوله تعالى: والله عنده أجر عظيم أي: ثواب جزيل وهو الجنة . [ ص: 286 ] والمعنى: لا تعصوه بسبب الأولاد، ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم فاتقوا الله ما استطعتم أي: ما أطقتم "واسمعوا" ما تؤمرون به "وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم" وفي هذه النفقة ثلاثة أقوال .
أحدها: الصدقة، قاله ابن عباس .
والثاني: نفقة المؤمن على نفسه، قاله الحسن .
والثالث: النفقة في الجهاد، قاله الضحاك ومن يوق شح نفسه حتى يعطي حق الله في ماله . وقد تقدم بيان هذا في [الحشر: 9] وما بعده قد سبق بيانه إلى آخر السورة [البقرة: 254، والحديد: 18،11، والحشر: 24،23] .