الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3389 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 88 ] وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم

                                                                                                                                                                                                                                      وقال موسى أي يدعو الله تعالى في إذهاب عزة فرعون ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة أي ما يتزين به من اللباس والمراكب والحلي وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك أي بالتكبر عليك وعلى آياتك ورسلك. وقوله " ليضلوا" متعلق بـ " آتيت" ، وأعيد " ربنا" توكيدا، و (لام) " ليضلوا" لام العاقبة والصيرورة. أي: آتيتهم النعم المذكورة ليشكروها ويتبعوا سبيلك، فكان عاقبة أمرهم أنهم كفروا وضلوا عن سبيلك، وتجويز جعل اللام للعلة استدراجا، أو لام الدعاء عليهم بذلك -توسع في غير متسع، ونبو عن لطف المساق وسره، فإن موسى لما رأى القوم مصرين على الكفر والعناد أخذ في الدعاء عليهم، ومن حق من يدعو على الغير أن يقدم بين يدي دعائه ما دفعه واضطره إلى الابتهال; لتحق إجابته، ولذا بين أولا ضلالهم عن السبيل بكفرانهم للنعم، وعتوهم على المحسن بها تمهيدا لقوله: ربنا اطمس على أموالهم أي أهلكها ; لأنهم يستعينون بنعمتك على معصيتك. وأصل (الطمس) محو الأثر والتغيير واشدد على قلوبهم أي اجعلها قاسية، واطبع عليها، حتى لا تنشرح للإيمان فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم أي يعاينوه ويوقنوا به، بحيث لا ينفعهم ذلك إذ ذاك، وقوله فلا يؤمنوا جواب للدعاء، أو دعاء بلفظ النهي.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير: هذه الدعوة كانت من موسى عليه السلام غضبا لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنه لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء. كما دعا نوح عليه السلام [ ص: 3390 ] فقال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ولهذا استجاب تعالى لموسى فيهم هذه الدعوة التي شركه فيها أخوه هارون كما أخبر بقوله سبحانه:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية