[ ص: 4836 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[20 - 21] يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا
يحسبون الأحزاب لم يذهبوا أي: لم ينهزموا بما أرسل عليهم من الريح والجنود، وأن لهم عودة إليهم لخورهم واضطرابهم: وإن يأت الأحزاب أي: مرة أخرى: يودوا لو أنهم بادون في الأعراب أي: فلا يذهبون إلى قتالهم، ولا يستقرون في المدينة، بل يتمنون أنهم خارجون إلى البدو بين الأعراب، وإن لحقهم عار جبنهم: يسألون أي: القادمين: عن أنبائكم أي: عما جرى لكم، ثم أشار تعالى إلى أنه لا يضر خروجهم عن المدينة، لو أتى الأحزاب، بقوله: ولو كانوا فيكم أي: في حدوث واقعة ثانية: ما قاتلوا إلا قليلا أي: رياء وخوفا من التعيير.
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أي: في أخلاقه وأفعاله قدوة حسنة; إذ كان منها ثباته في الشدائد وهو مطلوب، وصبره على البأساء والضراء وهو مكروب ومحروب، ونفسه في اختلاف الأحوال ساكنة، لا يخور في شديدة ولا يستكين لعظيمة أو كبيرة، وقد لقي بمكة من قريش ما يشيب النواصي، ويهد الصياصي، وهو مع الضعف يصابر صبر المستعلي، ويثبت ثبات المستولي، ومن صبر على هذه الشدائد في الدعاء إلى الله تعالى، وهو الرفيع الشأن، كان غيره أجدر إن كان ممن يتبع بإحسان: لمن كان يرجو الله واليوم الآخر أي: رضوان الله، ورحمته، وثواب اليوم الآخر، ونجاته; فإنه يؤثرهما على الحياة الدنيا، فلا يجبن; إذ لا يصح الجبن لمن صح اقتداؤه برسول الله صلى الله عليه وسلم، لغاية قبحه: وذكر الله كثيرا أي: وقرن بالرجاء ذكره تعالى بكثرة; أي: ذكر أمره [ ص: 4837 ] ونهيه ووعده ووعيده، فأدرك مواطن السعادة ومهاوي الشقاوة، وعلم أن في الثبات على قتل العدو، تطهير الأرض من الفساد، وتزيينها بالحق والصلاح والسداد، مما جزاؤه سعادة الدارين، والفوز بالحسنيين.
ثم بين تعالى ما كان من المؤمنين المخلصين في تلك الشدة، بعد بيان ما كان من غيرهم، بقوله سبحانه: