وقال الشيخ نجم الدين ابن إسرائيل : أن الله ظهر في الأشياء حقيقة واحتجب بها مجازا فمن كان من أهل الحق والجمع : شهدها مظاهر ومجالي ومن كان من أهل المجاز والفرق : شهدها ستورا وحجبا قال : وقال في قصيدة له : -
لقد حق لي رفض الوجود وأهله وقد علقت كفاي جمعا بموجدي
[ ص: 287 ] ثم بعد مدة غير البيت بقوله : -لقد حق لي عشق الوجود وأهله
فسألته عن ذلك فقال : مقام البداية أن يرى الأكوان حجبا فيرفضها ثم يراها مظاهر ومجالي فيحق له العشق لها كما قال بعضهم : -أقبل أرضا سار فيها جمالها فكيف بدار دار فيها جمالها
رق الزجاج وراقت الخمر وتشاكلا فتشابه الأمر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
وقال بعض السلف : عين ما ترى ذات لا ترى وذات لا ترى عين ما ترى الله فقط والكثرة وهم .
قال الشيخ قطب الدين ابن سبعين : رب مالك وعبد هالك وأنتم ذلك . الله فقط والكثرة وهم .
وقال الشيخ محيي الدين ابن عربي : -
يا صورة أنس سرها معنائي ما خلقك للأمر ترى لولائي
شئناك فأنشأناك خلقا بشرا لتشهدنا في أكمل الأشياء
قال : وقيل عن رابعة العدوية : أنها حجت فقالت : هذا الصنم المعبود في الأرض والله ما ولجه الله ولا خلا منه .
وفيه للحلاج : -
سبحان من أظهر ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا مستترا ظاهرا في صورة الآكل والشارب
عقد الخلائق في الإله عقائدا وأنا اعتقدت جمع ما اعتقدوه
بيني وبينك إني تزاحمني فارفع بحقك إنيي من البين
وفيه لمحيي الدين ابن عربي : -
والله ما هي إلا حيرة ظهرت وبي حلفت وإن المقسم الله
قال ابن الفارض في قصيدته السلوك :
وشاهد إذا استجليت نفسك من ترى بغير مراء في المرآة الصقيلة
أغيرك فيها لاح أم أنت ناظر إليك بها عند انعكاس الأشعة ؟
فقال له فقير : إن الله قال لآدم بلا واسطة : لا تقرب الشجرة - فقرب وأكل . فقال : صدقت وذلك أن آدم إنسان كامل ; ولذلك قال شيخنا علي الحريري : آدم صفي الله تعالى كان توحيده ظاهرا وباطنا فكان قوله لآدم " لا تقرب الشجرة " ظاهرا وكان أمره " كل " باطنا فأكل فكذلك قوله تعالى . وإبليس كان توحيده ظاهرا فأمر بالسجود لآدم فرآه غيرا فلم يسجد . فغير الله عليه وقال : { اخرج منها } .
وقال شخص لسيدي يا سيدي حسن إذا كان الله يقول لنبيه : { ليس لك من الأمر شيء } أيش نكون نحن ؟ فقال سيدي له : ليس الأمر كما تقول أو تظن فقوله له : { ليس لك من الأمر شيء } عين الإثبات للنبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 290 ] كقوله تعالى : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } .
وفيه لأوحد الدين الكرماني : -
ما غبت عن القلب ولا عن عيني ما بينكم وبيننا من بين
لا تحسب بالصلاة والصوم تنال قربا ودنوا من جمال وجلال
فارق ظلم الطبع وكن متحدا بالله وإلا كل دعواك محال
إذا بلغ الصب الكمال من الهوى وغاب عن المذكور في سطوة الذكر
يشاهد حقا حين يشهده الهوى بأن صلاة العارفين من الكفر
الكون يناديك ألا تسمعني من ألف أشتاتي ومن فرقني
انظر لتراني منظرا معتبرا ما في سوى وجود من أوجدني
ذرات وجود الكون للحق شهود أن ليس لموجود سوى الحق وجود
والكون وإن تكثرت عدته منه وإلى علاه يبدو ويعود
برئت إليك من قولي وفعلي ومن ذاتي براءة مستقيل
وما أنا في طراز الكون شيء لأني مثل ظل مستحيل
أحن إليه وهو قلبي وهل يرى سواي أخو وجد يحن لقلبه ؟
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري وما بعده إلا لإفراط قربه
ومن ذلك أيضا : التوحيد لا يعرفه إلا الواحد ولا تصح العبارة عن الواحد وذلك أنه لا يعبر عنه إلا بغيره ومن أثبت غيرا فلا توحيد له .
قال : وسمعت الشيخ محمد بن بشر النواوي يقول : ورد سيدنا الشيخ علي الحريري إلى جامع نوى قال الشيخ محمد : فجئت إليه فقبلت الأرض بين يديه وجلست فقال : يا بني وقفت مع المحبة مدة فوجدتها غير المقصود ; لأن المحبة لا تكون إلا من غير لغير وغير ما ثم ثم وقفت مع التوحيد مدة فوجدته كذلك ; لأن التوحيد لا يكون إلا من عبد لرب ولو أنصف الناس ما رأوا عبدا ولا معبودا .
وفيه : سمعت من الشيخ نجم الدين ابن إسرائيل مما أسر إلي أنه سمع من [ ص: 292 ] شيخنا الشيخ علي الحريري في العام الذي توفي فيه قال يا نجم رأيت لهاتي الفوقانية فوق السموات وحنكي تحت الأرضين ونطق لساني بلفظة لو سمعت مني ما وصل إلى الأرض من دمي قطرة .
فلما كان بعد ذلك بمدة قال شخص في حضرة سيدي الشيخ حسن بن علي الحريري : يا سيدي حسن ما خلق الله أقل عقلا ممن ادعى أنه إله مثل فرعون ونمروذ وأمثالهما فقال : إن هذه المقالة لا يقولها إلا أجهل خلق الله أو أعرف خلق الله فقلت له : صدقت ; وذلك أنه قد سمعت جدك يقول : رأيت كذا وكذا ; فذكر ما ذكره الشيخ نجم الدين عن الشيخ .
وفيه قال بعض السلف : من كان عين الحجاب على نفسه فلا حجاب ولا محجوب .
فالمطلوب من السادة العلماء : -
أن يبينوا هذه الأقوال وهل هي حق أو باطل ؟ وما يعرف به معناها ؟ وما يبين أنها حق أو باطل ؟ وهل الواجب إنكارها أو إقرارها أو التسليم لمن قالها ؟ وهل لها وجه سائغ ؟ وما الحكم فيمن اعتقد معناها إما مع المعرفة بحقيقتها ؟ وإما مع التسليم المجمل لمن قالها .
[ ص: 293 ] والمتكلمون بها هل أرادوا معنى صحيحا يوافق العقل والنقل ؟ وهل يمكن تأويل ما يشكل منها وحمله على ذلك المعنى ؟ وهل الواجب بيان معناها وكشف مغزاها إذا كان هناك ناس يؤمنون بها ولا يعرفون حقيقتها ؟ أم ينبغي السكوت عن ذلك وترك الناس يعظمونها ويؤمنون بها مع عدم العلم بمعناها ؟ بينوا ذلك مأجورين .