ثم أخبر - عز وجل - بعظيم فريتهم؛ فقال : وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ؛ أي : قالوا : يده ممسكة عن الاتساع علينا؛ كما قال الله - جل وعز - ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ؛ تأويله : لا تمسكها عن الإنفاق؛ قال بعضهم : معنى " يد الله مغلولة " : نعمته مقبوضة عنا؛ وهذا القول خطأ ينقضه : بل يداه مبسوطتان ؛ فيكون المعنى : بل نعمتاه مبسوطتان؛ ونعم الله أكثر من أن تحصى. [ ص: 190 ] وقال بعضهم : وقالوا : يد الله مغلولة عن أعدائنا؛ أي : لا يعذبنا؛ وقال بعض أهل اللغة : إنما أجيبوا على قدر كلامهم؛ كما قالوا : " يد الله مغلولة " ؛ يريدون به تبخيل الله؛ فقيل : بل يداه مبسوطتان ؛ أي : هو جواد ينفق كيف يشاء؛ ومعنى غلت أيديهم ؛ أي : جعلوا بخلاء؛ فهم أبخل قوم؛ وقيل : " غلت أيديهم " ؛ أي : غلت في نار جهنم؛ وقوله : وليزيدن كثيرا منهم ما أنـزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ؛ أي : كلما نزل عليك شيء من القرآن كفروا به؛ فيزيد كفرهم والطغيان الغلو والكفر هناك.
وقوله : وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ؛ جعلهم الله مختلفين في دينهم؛ متباغضين؛ كما قال : تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ؛ فألقى الله بينهم العداوة؛ وهي أحد الأسباب التي أذهب الله بها جدهم وشوكتهم.
وقوله : كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ؛ هذا مثل؛ أي : كلما جمعوا على النبي والمسلمين؛ وأعدوا لحربهم؛ فرق الله جمعهم؛ وأفسد ذات بينهم.
وقوله : ويسعون في الأرض فسادا ؛ [ ص: 191 ] أي : يجتهدون في دفع الإسلام؛ ومحو ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتبهم.