وقوله - عز وجل - : ويوم يقول كن فيكون ؛ نصب " يوم " على وجهين؛ أحدهما على معنى " واتقوه؛ ويوم يقول... " ؛ فيكون نسقا على الهاء؛ كما قال - عز وجل - : واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ؛ والأجود أن يكون على معنى " واذكر يقول كن فيكون " ؛ لأن بعده وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ؛ وفيه وجه ثالث؛ وهو العطف على السماوات والأرض ؛ المعنى : " وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق؛ وخلق يوم يقول كن فيكون " ؛ فإن قال قائل : إن يوم القيامة لم يأت بعد؛ فإن ما أنبأنا الله بكونه فحقيقته واقع لا محالة.
وقوله : كن فيكون ؛ قال بعضهم : المخاطبة ههنا للصور؛ المعنى : " ويوم يقول للصور : كن فيكون " ؛ وما ذكر من الصور يدل عليه؛ وقيل : إن قوله : " كن " ؛ فيه أسماء جميع ما يخلق في ذلك الوقت؛ المعنى : [ ص: 264 ] " ويوم يقول للشيء كن فيكون " ؛ وهذا ذكر ليدل على سرعة أمر البعث؛ والساعة؛ كأنه قال : " ويوم يقول للخلق : موتوا؛ فيموتون؛ وانتشروا؛ فينتشرون " ؛ كأنه يأمر الحياة فتكون فيهم؛ والموت فيحل أولا يفنى جميع الخلق.
وقيل : " ويوم يقول كن فيكون " ؛ قوله ؛ أي : " يأمر؛ فيقع أمره " ؛ و الحق ؛ من نعت " قوله " ؛ كما تقول : " قد قلت؛ فكان قولك " ؛ فالمعنى ليس أنك قلت فكان الكلام؛ إنما المعنى أنه كان ما دل عليه القول؛ وعلى القول الأول قد رفع " قوله " ؛ بالابتداء؛ و " الحق " ؛ خبر الابتداء.
وقوله : يوم ينفخ في الصور ؛ يجوز أن يكون نصب " يوم " ؛ على وله الملك يوم ينفخ في الصور ؛ مبينا عن قوله : " ويوم يقول كن فيكون " ؛ ويجوز أن يكون منصوبا بـ " قوله الحق " ؛ المعنى : " وقوله الحق يوم ينفخ في الصور " ؛ فإن قال قائل : لله الملك في كل وقت؛ فلم خص يوم القيامة؛ ويوم ينفخ في الصور؟ فالجواب في هذا أنه في اليوم الذي لا يظهر فيه من أحد نفع لأحد؛ ولا ضر؛ كما قال : والأمر يومئذ لله ؛ والأمر في كل وقت لله - جل وعز -؛ وقالوا في " الصور " ؛ قولين : قيل في التفسير : إن الصور اسم لقرن ينفخ فيه؛ وقيل : " الصور " : جمع " صورة " ؛ وكلاهما جائز؛ وأثبتها في الحديث والرواية أن الصور قرن؛ و " الصور " : جمع " صورة " ؛ أهل اللغة على هذا.