الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وللبناء والغرس ) أي صح استئجار الأرض للبناء والغرس وهو بفتح الغين بمعنى المغروس وقد جاء فيه الكسر كذا في المغرب لأنها منفعة تقصد بالأراضي وفي القنية ولا يجوز لمستأجر السبيل أن يبني فيه غرفة لنفسه إلا أن يزيد في الأجرة ولا يضر بالبناء وإن كان معطلا غالبا ولا يرغب المستأجر إلا على هذا الوجه جاز من غير زيادة في الأجرة إذا قال القيم أو المالك لمستأجرها أذنت لك في عمارتها فعمرها بإذنه يرجع على القيم والمالك وهذا إذا يرجع معظم منفعته إلى المالك أما إذا رجع إلى المستأجر وفيه ضرر بالدار كالبالوعة أو شغل بعضها كالتنور فلا ما لم يشترط الرجوع ذكره في الوقف ( قوله فإن مضت المدة قلعهما وسلمها فارغة ) لأنه لا نهاية لهما ففي إبقائهما إضرار بصاحب الأرض فوجب القلع وفي القنية استأجر أرضا وقفا وغرس فيها أو بنى [ ص: 306 ] ثم مضت مدة الإجارة فللمستأجر أن يستبقيها بأجر المثل إذا لم يكن في ذلك ضرر ولو أبى الموقوف عليهم إلا القلع ليس لهم ذلك ا هـ .

                                                                                        وبهذا يعلم مسألة الأرض المحتكرة وهي منقولة أيضا في أوقاف الخصاف ( قوله إلا أن يغرم له المؤجر قيمته مقلوعا ويتملكه ) يعني بأن تقوم الأرض بدون البناء والشجر ويقوم بها بناء أو شجر لصاحب الأرض أن يأمره بقلعه فيضمن فضل ما بينهما كذا في الاختيار وهذا الاستثناء راجع إلى لزوم القلع على المستأجر فأفاد أنه إذا رضي المؤجر يدفع القيمة لا يلزم المستأجر القلع وهذا صحيح مطلقا سواء كانت الأرض تنقص بالقلع أو لا فلا حاجة إلى حمل كلام المصنف على ما إذا كانت الأرض تنقص بالقلع كما فعل الشارح تبعا لغيره لكن لا يتملكها المؤجر جبرا على المستأجر إلا إذا كانت الأرض تنقص بالقلع وأما إذا كانت لا تنقص فلا بد من رضاه .

                                                                                        ( قوله أو يرضى بتركه فيكون البناء والغرس لهذا والأرض لهذا ) يعني إذا رضي المؤجر بترك البناء أو الغرس لا يلزم المستأجر القلع فلا حاجة إلى جعل الضمير في يرضى عائدا إلى كل منهما ولا إلى التصريح برضاهما كما وقع في المجمع كما لا يخفى وهذا الترك من المؤجر يكون عارية لأرضه إن كان بغير أجر وإجارة وإن كان بأجر فقصره في غاية البيان على الأول مما لا ينبغي وعلى الأول لهما أن يؤجراهما من أجنبي فإن فعلا فلهما أن يقسما الأجر على قيمة الأرض من غير بناء وعلى قيمة البناء من غير أرض فيأخذ كل واحد منهما حصته كذا في شرح الأقطع وفي القنية من الوقف بنى في الدار المسبلة بغير إذن القيم ونزع البناء يضر بالوقف يجبر القيم على [ ص: 307 ] دفع قيمته للباني ويجوز للمستأجرين غرس الأشجار والكروم في الموقوفة إذا لم يضر بالأرض بدون صريح الإذن من المتولي دون حفر الحياض وإنما يحل للمتولي الإذن فيما يزيد الوقف به خيرا وهذا إذا لم يكن لهم حق قرار العمارة فيها أما إذا كان يجوز الحفر والغرس والحائط من ترابها لوجود الإذن في مثلها دلالة

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ولا يجوز لمستأجر السبيل ) قال الرملي تقدم في كتاب الوقف أن السبيل هو الوقف على العامة ( قوله وفي القنية استأجر أرضا وقفا وغرس فيها أو بنى إلخ ) قال الرملي ذكرها بعد أن رمز ( سم ) ( قع ) لإسماعيل المتكلم أو هو بالمعجمة لشرف الأئمة المكي والقاضي عبد الجبار وقال فيها قيل لهما فلو أبى الموقوف عليهم إلا القلع هل لهم ذلك قال لا وقد قالوا لا تعويل ولا التفات إلى كل ما قاله صاحب القنية مخالفا للقواعد ما لم يعضده نقل من غيره وقد عضد بما في أوقاف الخصاف ووجهه إمكان رعاية الجانبين من غير ضرر فعليه إذا مات أحدهما فللمستأجر أو ورثته الاستبقاء فيكون مخصصا لكلام المتون ووجهه أيضا عدم الفائدة في القلع إذ لو قلع لا تؤجر بأكثر منه حتى لو حصل ضرر ما من أنواع الضرر بأن كان المستأجر أو وارثه مفلسا أو سيئ المعاملة أو متغلبا يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضرر يجب أن لا يجبر الموقوف عليهم تأمل ا هـ .

                                                                                        كلام الرملي والحاصل أن المتبادر من عبارة المتن كغيره من المتون أنه يلزم المستأجر بعد انتهاء مدة الإجارة تسليم الأرض للمؤجر فارغة سواء كانت الأرض ملكا أو وقفا فليس للمستأجر أن يجبر المؤجر على أن يؤجرها منه مدة ثانية بدون رضاه واستثنى في القنية أرض الوقف إذا بنى فيها أو غرس فله استبقاؤها بيده مدة أخرى بأجر المثل لما فيه من حصول المقصود من أرض الوقف وهو إيجارها بأجر المثل لأن أرض الوقف لا يمكن المتولي تعطيلها فحيث كان لا بد له من إيجارها بأجر المثل ورضي الباني والغارس بذلك كان أحق من غيره لحصول المقصود مع دفع الضرر عنه وقد اضطرب كلام الخبر الرملي في فتاويه فتارة أفتى بهذا وقال بعدما نقل ما ذكره المؤلف عن القنية والخصاف ما نصه وأنت على علم أن الشرع يأبى الضرر [ ص: 306 ] خصوصا والناس على هذا وفي القلع ضرر عليهم وفي الحديث الشريف عن النبي المختار { لا ضرر ولا ضرار } ا هـ .

                                                                                        وتارة أفتى بما هو إطلاق المتون من لزوم القلع وقال في موضع آخر يكلف قلع الأشجار إن لم يضر بأرض الوقف فإذا ضر يتملكه الناظر بقيمته مستحق القلع للوقف هذا هو المختار كما نص عليه الأئمة الأخيار وعليه أصحاب المتون وقد صرح في القنية بأن له أن يستبقيها بأجرة المثل وإن أبى الموقوف عليهم وبمثله صرح الخصاف وهو خلاف ما في المتون والله أعلم . ا هـ .

                                                                                        وقد تكرر منه الإفتاء بذلك في مواضع من كتاب الإجارة ومبناه على أن ما في القنية والخصاف لا يعارض إطلاق المتون أقول : وبهذا تعلم قطعا أنه لو لم يكن له فيها بناء ولا غراس ولا غير ذلك وأراد استئجارها مدة أخرى ليس له ذلك بدون رضا المؤجر وأنه لا وجه لما اشتهر في زماننا من أن المستأجر الأول أحق ويسمونه ذا اليد حتى إذا فرغت مدة إيجاره وأراد المتكلم على الأرض إيجارها لغيره لكون المستأجر الأول مفلسا أو سيئ المعاملة أو متغلبا أو نحو ذلك يفتونه بأنه ليس له ذلك ويقولون إن ذا اليد أحق حتى تبقى الأرض بيده سنين عديدة ويتحكم بالمؤجر بما أراد وربما امتنع عن دفع أجرة المثل بسبب ذلك بل ربما استولى على الأرض وادعى ملكيتها بسبب طول استيلائه عليها .

                                                                                        وقد صرحوا بأنه لو كان يخشى على الأرض من المستأجر فللمتولي فسخ الإجارة ونزعها من يده فكيف إذا مضت المدة نعم قالوا إذا زادت أجرة المثل في أثناء المدة ففي رواية ليس له فسخها لأن العبرة لأول العقد وقد كان ابتداؤه بأجر المثل فلا يفسخ وفي رواية شرح الطحاوي تفسخ لأن الإجارة تنعقد شيئا فشيئا وعلى هذه الرواية فرعوا أن المستأجر إذا رضي بدفع الزيادة فهو أحق ولا يخفى ظهور وجهه وهو أن مدته باقية وأن علة الفسخ هي زيادة الأجرة فإذا رضي بدفع الزيادة زالت علة الفسخ فيكون أحق بإبقائها بيده إتماما لمدة عقده أما بعد تمام مدة عقده فلم يبق له حق فما وجه كونه أولى وأحق بإيجارها ثانيا منه جبرا على المؤجر وإن رضي بدفع الزيادة فقياس هذا على ما إذا كانت المدة باقية قياس مع الفارق والقياس لا يصح إلا بعد كونه من أهله مع استيفاء شرائطه ولي في أهل هذا الزمان أحد من أهل القياس إذا استوفى شرائطه فكيف مع كونه غير مستوف لشرائطه .

                                                                                        ( قوله وبهذا يعلم ) قال الرملي أي بقوله استأجر أرضا وقفا إلخ وقوله وهي منقولة أي مسألة الاستيفاء تأمل ( قول المصنف إلا أن يغرم له المؤجر قيمته مقلوعا ويتملكه إلى قوله أو يرضى بتركه ) قال الرملي قال في شرح القدوري المسمى بمجمع الرواية قال الزاهدي لأن الحق له فله أن لا يستوفيه لأن الأرض تصير عارية في يده بهذا قلت وفي هذا إشارة إلى أنه يبقى بغير أجر بخلاف الزرع ولهما أن يؤاجراها من أجنبي وذكر ما نقله عن الأقطع وأقول : الذي يتضح أن الجواب متحد في حق البناء والغرس في الغصب والعارية والإجارة وهو وجوب القلع وتسليم الأرض فارغة حيث لا يضر بالأرض وإن أضر بها يتملكه صاحب الأرض بأقل القيمتين منزوعا وغير منزوع ولا فرق بين أرض الوقف والملك فقوله في جامع الفصولين في الوقف ولو اصطلحوا على أن يجعل ذلك للوقف بثمن لا يجاوز أقل القيمتين منزوعا أو مبنيا فيه صح إما بيان للأفضل فلا ينافي الجبر عند عدم الاصطلاح أو هي رواية ضعيفة .

                                                                                        ( قوله وهذا الاستثناء راجع إلى لزوم القلع إلخ ) قال الرملي لا يخفى أن ظاهر قوله ويتملكه الإطلاق فدخل فيه الجبر والرضا مطلقا في حالتي الضرر وعدمه وليس كذلك فلذلك قيده الشراح بقولهم وهذا إذا كانت الأرض تنقص بالقلع ففي قوله لا حاجة إلى حمل كلام المصنف على ما إذا كانت الأرض تنقص ا هـ . نظر فتأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية