( كتاب المأذون )
تأخير كتاب المأذون عقيب كتاب الحجر ظاهر ; لأن الإذن يقتضي سبق الحجر ولما ترتب وجودا ترتب أيضا ذكرا للتناسب ، والكلام هنا من وجوه الأول في معناه لغة الثاني في دليل المشروعية الثالث في سببه الرابع في ركنه الخامس في شرطه السادس في تفسيره السابع في حكمه أما معناه لغة قال شيخ الإسلام خواهر زاده في مبسوطه الإذن هو الإطلاق لغة ; لأنه ضد الحجر وهو المنع فكان إطلاقا عن شيء إلى شيء كان . ا هـ .
وفي النهاية أما اللغة فالإذن في الشيء رفع المانع لمن هو محجور عنه وإعلام بإطلاقه فيما حجر عليه من أذن له في الشيء إذنا وأبعد الإمام الزيلعي حيث قال : والإذن في اللغة الإعلام ومنه الأذان وهو الإعلام ; لأن الإذن من أذن في كذا إذا أباحه وأذان من أذن بكذا إذا أعلم وبينهما فرق [ ص: 97 ] وأما فهو قوله تعالى { دليل المشروعية ولتبتغوا من فضله } وإذن الصبي ، والعبد في التجارة ابتغاء من فضل الله وأما سبب المشروعية فهو الحاجة ; لأن الإنسان قد لا يتفرغ لذلك بنفسه لكثرة اشتغاله فيحتاج أن يستعين بالعبد ، والصغير وأما فقول المولى لعبده أذنت لك في هذا وأما شرائطه ففي المحيط ركنه فولاية الإذن على المأذون حجرا وإطلاقا منعا وإسقاطا وكون المأذون عاقلا مميزا عالما عارفا بما يؤذن له وأن يعلم العبد بالإذن وفي شرائط جوازه السغناقي دخل في قولنا المكاتب ، والمأذون ، والمضارب ، والشريك مفاوضة ، والأب ، والجد ، والقاضي ، والولي ا هـ . من له ولاية الإذن في التجارة
وأما قال في غاية البيان فملك المأذون كل ما كان من قبيل التجارة وتوابعها وعدم ملكه ما لم يكن كذلك وعزاه إلى التحفة وأبعد صاحب النهاية حكمه والإمام الزيلعي حيث قالا وأما حكمه فهو تفسيره الشرعي ; لأن حكم الشيء ما يثبت به ولا يذهب على ذي مسكة أن ما يثبت بالشيء ويصير أثرا مرتبا عليه لا يصلح أن يكون تفسيرا لذلك الشيء محمولا عليه بالمواطأة وأما تفسيره شرعا فهو ما أشار إليه قال رحمه الله ( هو فك الحجر وإسقاط الحق ) ; لأن العبد أهلا للتصرف بعد الرق ; لأن ركن التصرف كلام معتبر شرعا من مميز ومحل التصرف ذمة صالحة لالتزام الحقوق وهما لا يقومان بالرق ; لأنهما من كرامات البشر إلا أنه حجر عليه عن التصرف لحق المولى لئلا يبطل حقه بتعلق الدين برقبته لضعف ذمة الرقيق ، فإذا أذن له المولى فقد أسقط حقه فكان متصرفا بأهليته الأصلية ولهذا لا يرجع على المولى بما لحقه من العهدة أطلق في فك الحجر فشمل الكل ، والبعض .
وقال في المبسوط : وإذا جاز في نصيبه خاصة وليس للشريك الآخر أن يبطل الإذن وما لحقه من دين التجارة فهو على نصيبه خاصة ولو لحقه دين التجارة وفي يده مال التجارة قضى من ذلك دينه ، والباقي بينهما نصفين ; لأنه حصل من كسب العبد ولو وهب له أو اكتسب قبل الإذن أو تصدق عليه أو بعد الإذن فهو بينهما نصفين ولو اختلفا في الكسب الذي في يده فقال الآذن والعبد : إنه استفاده بالتجارة وقال الساكت إنه استفاده بالهبة فالقول قول الآذن ، والعبد ويصرفه في دينه استحسانا ; لأن العبد هو الكاسب وهو أعلم بحال كسبه ولو استهلك مالا كان عليهما إذا ثبت بالبينة أو بالمعاينة ويتعلق بجميع رقبته ولو أقر باستهلاك ما كان على الآذن خاصة ولو أذن أحد الشريكين لعبده في التجارة كان مأذونا في كله ; لأن الإذن لا يتجزأ ولو أذن رجل بنصف عبده فالدين كله في النصف الأول ولو علم بتصرفه ففي جميع الرقبة ولو أذن أحد الشريكين ثم اشترى نصيب الآخر فتصرف وهو لا يعلم ، فإنه لا يصير مأذونا ولو أذن لعبد لا يملكه ثم ملكه لم يصر مأذونا استحسانا أخبر شريكه أهل السوق أنه لا يرضى بإذن شريكه ثم رأى العبد يتصرف فهو مأذون كله ; لأن الإذن مما لا يتجزأ فصار كأنه قال لصاحبه ائذن لجميع العبد قال في الكفاية إسقاط الحق وهو حق المولى في مالية الكسب ، والرقبة ، فإنه ممتنع تعلق حق الغير بهما صونا لحق المولى وبالإذن أسقط حقه . قال أحدهما لشريكه ائذن لنصيبك فأذن له
قال صاحب الإصلاح ، والإيضاح المراد بالحق هاهنا حق المنع فلا ينافي كونه حق المولى بل يقتضيه ; لأن حق المنع التعلق بالعبد وهو حق المولى لا حق غيره ، فإن معنى حق المنع هو منع التصرف على أن تكون الإضافة بيانية ومعنى حق المولى هو حق للمولى على أن تكون الإضافة بمعنى اللام وبيان الحق الذي هو منع العبد عن التصرف إنما يكون للمولى لا لغيره فكان حقا له قطعا وأما ثانيا فلأنه إن أراد بقوله ; لأن حق المولى لا يسقط بالإذن أنه لا يسقط به أصلا ممنوع ، وإن أراد بذلك أنه لا يسقط به في الجملة كما إذا لم يحط الدين بما في يده ورقبته فمسلم ذلك إلا أنه لا يجدي نفعا ; لأنه ليس المراد بالإسقاط إسقاطا بالكلية بل المراد إسقاطه في الجملة وأما فلا يضر ; لأن المقصود بالذات في كتاب المأذون بيان إذن العبد وأما بيان إذن الصبي فعلى سبيل التبعية ويجوز أن يكون مدار ما ذكر في تفسير المأذون في الشرع على ما هو المقصود بالذات في كتاب المأذون وهو إذن العبد ولقائل أن يقول إن اختصاص حق المولى بإذن العبد فهو ممنوع ولو كان كذلك تصح هبته وإقراضه ونحوهما من التبرعات وليس كذلك قطعا . أريد إسقاط الحق بجملته وفك الحجر برقبته
وإن أراد أنه إسقاط وفك في الجملة فهو مسلم لكن لا يثبت به المدعى إذ لا يلزم منه إسقاط وفك في جميع التصرفات حتى يكون مأذونا في جميعها قيل المراد إسقاط وفك في بعض معين [ ص: 98 ] من التصرفات فلا يرد النقض بالتبرعات فلو قال فك الحجر ومنع إسقاط في نوع لكان أولى فتأمل قال رحمه الله ( فلا يتوقف ولا يتخصص ) يعني لا يتوقف بزمان ولا مكان ولا يتخصص بنوع من أنواع التجارة عندنا لما ذكرنا من تفسيره وقال الإمام الشافعي هو عبارة عن توكيل ، وإنابة فينفذ عندهما ويتخصص وعندنا يتصرف بأهلية نفسه وحق المولى قد أسقطه ، والساقط لا يعود كما إذا وزفر كالطلاق ، والعتاق ولو رضي المستأجر أن يؤجر عبده من شخص بعينه دون غيره ، والإسقاط لا يقبل التقييد دون غيره ، فإنه لا يعتبر تقييده ; لأنه إسقاط لحقه فلا يقبل التقييد بخلاف إذن القاضي ، فإنه بمنزلة الوكيل ذكره أسلم البائع المبيع إلى المشتري قبل نقد الثمن على أن يتصرف فيه نوعا من التصرف دون غيره قاضي خان في فتاواه كذا ذكره الشارح وفي المحيط يجوز ولا يجوز تخصيصه بنوع دون نوع كالعبد لا يقال لو كان إسقاطا لما ملكه بهبة ; لأنا نقول ليس بإسقاط في حق ما لم يوجد فيكون النهي امتناعا فيما لم يوجد لا يقال هو ليس بأهل لحكم التصرف وهو الملك فكيف يكون أهلا لنفس التصرف ، والسبب غير مشروع لذاته بل لحكمة ، فإذا لم يترتب عليه حكمه لا يكون مشروعا كطلاق الصبي ; لأنا نقول حكمه ملك اليد وهو أهل لذلك كالمكاتب قال في العناية . الإذن للصبي العاقل في التجارة من الأب ، والقاضي
وصحح المصنف كونه إسقاطا عندنا بقوله ولهذا لا يقبل التأقيت ثم قال : فإن قيل قوله فك الحجر وإسقاط الحق مذكور في حيز التعريف فكيف جاز الاستدلال عليه وأجيب بوجهين أحدهما أن حكمه الشرعي هو تعريفه فكان الاستدلال عليه ليس باستدلال ، وإنما هو الصحيح للنقل بما يدل على أنه عندنا تعرف بذلك كما أشرنا إليه . الثاني : أن من حيث كونه حكما لا من حيث كونه تعريفا قال في المحيط فيبيع من المولى ويشتري منه ويطالبه بإيفاء الثمن على وجه لو امتنع يحبس ولو فهو مأذون في جميع الأوقات ما لم يحجر عليه ولو قال أذنت لك في الخياطة أو الصباغة أو في عمل آخر لا يصح نهيه ولقائل أن يقول : إن أريد بقوله فلا تخصيص بنوع دون نوع أنه لا يتخصص بذلك أطلقه ولم يقيده بنوع فهو يسلم لكن لا يجدي طائلا ; لأن ما نحن فيه صورة التقيد ، وإن أريد أنه لا يتخصص بنوع دون نوع ، وإن قيده بذلك فهو ممنوع كيف وهذا يتوقف تمامه على أول المسألة هو أن يكون الإذن في نوع من التجارة إذنا في جميعها فيؤدي إلى المصادرة على المطلوب قال صاحب العناية ونوقض بالإذن في النكاح رعاية الحجر وإسقاط الحق . قال اتجر في البر ولا تتجر في البحر
وأجيب أن النكاح تصرف مملوك للمولى ; لأنه لا يجوز إلا بولي ، والرق أخرج العبد من أهل الولاية فلأن يجيزه المولى على النكاح مخصص بخلاف البيع ، والإذن على نوعين عام وخاص فالعام أن وإذا أذن له أن يتزوج فلانة ليس له أن يتزوج غيرها أو قال اتجر ولو قال أد إلي ألفا وأنت حر يصير مأذونا في التجارة وكذا لو قال اكتسب وأد ذلك وقوله أد ألفا وأنت حر بمنزلة ما إذا قال إن أديت ألفا فأنت حر ; لأن جواب الأمر بالواو كالفاء بخلاف ما إذا قال أد ألفا أنت حر ولو يقول لعبده أذنت لك في التجارة لم يجز لعدم علمه ولو أذن لعبده ولم يعلم العبد بالإذن ولا أحد من الناس فتصرف ثم علم فهو مأذون وذكر في الزيادات لو قال لقوم بايعوه فبايعوه ولم يعلم العبد بذلك إن علم بأمر الأب جاز ، وإن لم يعلم لم يجز قبل الإذن على الروايتين ، والفرق بين الروايتين أن إذن الصبي توكيل وليس بإذن في التجارة ; لأنه فوض إليه عقد واحد وبتفويض عقد واحد لا يثبت الإذن وفي مسألة المأذون إذن لا توكيل ; لأنه فوض إليه عقودا متكررة فيجوز أن يثبت الإذن ضمنا للأمر بالمبايعة في عقود متكررة بدون علمه ، وإن لم يثبت مقصودا بخلاف العقد الواحد . قال لرجل بع عبدك هذا من ابني الصغير فباعه منه وقبل الابن
ولو لم يبايعه أحد منهم وبايعه من لم يأمره المولى لم يصر مأذونا ; لأن الإذن إنما يثبت في ضمن أمره بالمبايعة ولو دفع له حمارا ليكريه ويبيع عليه صار مأذونا ، كالطلاق ، والحجر ، والعزل لا يصح تعليقهما ولا إضافتهما كالنكاح وأما الإذن الخاص فلا يكون به مأذونا كما لو أمره بشراء ثوب للكسوة أو لحم للأكل ; لأن هذا استخدام فلا بد من فاصل بين الاستخدام ، والتجارة وهو أن الأمر يعقد مرة بعد مرة استخدام ، والأمر بعقود متعددة يعد تجارة ; لأنه يدل على أنه للربح ولما بين المؤلف الإذن الصريح شرع في الإذن دلالة ا هـ . والإذن يصح تعليقه بلا شرط وإضافته إلى الزمان