الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وإن قطعت امرأة يد رجل عمدا أو تزوجها على اليد ثم مات فلها مهر مثلها والدية في مالها وعلى عاقلتها لو خطأ ) يعني لو تزوج امرأة على قطعها يده عمدا فمات الزوج منه فلها مهر مثلها والدية في مالها وعلى عاقلتها لو خطأ ، وهذا قول الإمام ولم يفصل المؤلف بين ما إذا مات قبل الدخول أو بعده لكن في قوله مهر المثل يشير إلى أنه بعد الدخول وفي الكافي أما أن يكون القطع عمدا أو خطأ وكل مسألة على ثلاثة أوجه إما إن تزوجها على القطع أو على القطع وما يحدث منه أو على الجناية وقد برئ من ذلك أو مات ، فإن كان القطع عمدا وبرئ من ذلك صحت التسمية وصار أرش اليد مهرا لها عندهم جميعا قال الشارح فإذا كان القطع عمدا ، فهذا تزوج على القصاص في الطرف ، وهو ليس بمال على تقدير الاستيفاء وعلى تقدير السقوط أولا ، فإذا لم يصلح مالا لا يصلح مهرا فيجب لها مهر المثل إذا مات ولا يجب القصاص لا يقال لا يجري القصاص بين الرجل والمرأة في الأطراف فكيف يكون تزويجا عليه ; لأنا نقول الموجب الأصلي في العمد القصاص ، وإنما سقط للتعذر ثم تجب عليه الدية ، فإذا سرى تبين أنه قتل ولم يتناوله العفو فتجب الدية لعدم العفو عن النفس ، وذلك في مالها ; لأن العاقلة لا تتحمل العمد ا هـ .

                                                                                        قال في النهاية ، فإن قلت : لم لم يجب القصاص هاهنا على المرأة مع أن القطع كان عمدا ، وهي قتل من الابتداء فإذا مات ظهر أن الموجب الأصلي هو القصاص ولما لم يصلح القصاص مهرا صار كأنه تزوج ، ولم يذكر شيئا وفيه القصاص فكذا هاهنا ؟ .

                                                                                        قلت : نعم كذلك إلا أنه لما جعل القصاص مهرا جعل ولاية استيفاء القصاص للمرأة ، ولو استوفت القصاص تستوفيه من نفسها ، وهو محال ولما سقط القصاص بقي النكاح بلا تسمية فيجب مهر المثل كما إذا لم يسم ابتداء ا هـ .

                                                                                        ولو تزوجها على موجب القطع جاز ، فإن طلقها بعد الدخول بها أو مات عليها سلم لها جميع الأرش ، وإن طلقها قبل الدخول بها سلم لها من ذلك ألفان وخمسمائة ورد على الزوج ألفان وخمسمائة ; لأنه تزوجها في الحاصل على خمسة آلاف ، فإن طلقها قبل الدخول بها يسلم لها نصف ذلك ويلزمها أن ترد النصف على الزوج هذا إذا أبرئ من القطع ، وإن مات من ذلك فالتسمية باطلة عندهم جميعا ، ولها مهر مثلها وقيد بقوله مهر مثلها المفيد أنه بعد الدخول لا قبل الدخول فلها المتعة ثم القياس أن لا تجب عليها الدية في قول أبي حنيفة وفي الاستحسان تجب الدية في [ ص: 362 ] مالها وعلى قولهما صح العفو ولم يكن عليها لا قصاص ولا دية لو مات هذا إذا تزوجها على القطع قيد بذكر اليد فقط ; لأنه إذا تزوجها على القطع وما يحدث منه إن برئ من ذلك صار أرش يده مهرا لها عندهم جميعا ويسلم لها ذلك ، وإن كان أكثر من مهر مثلها ، وإن مات من ذلك بطلت التسمية ، وكان لها مهر مثلها وسقط القصاص مجانا بغير شيء ولا ميراث لها من زوجها ; لأنها قاتلته وعليها عدة المتوفى عنها زوجها وقيد بقوله عمدا ; لأنها إذا كانت الجناية خطأ وقد تزوجها على القطع إن برئ من ذلك صار أرش يده مهرا لها .

                                                                                        فإن دخل بها أو مات عنها سلم لها جميع ذلك وسقط عن العاقلة ، وإن طلقها قبل الدخول بها سلم لها نصف ذلك ، وذلك ألفان وخمسمائة وتؤدي العاقلة ألفين وخمسمائة إلى زوجها فأما إذا مات من ذلك بطلت التسمية في قول أبي حنيفة ، وكان لها مهر مثلها وعلى عاقلتها دية الزوج وعندهما تصح التسمية وتصير دية الزوج مهرا لها فأما إذا تزوجها على القطع وما يحدث أو على الجناية إن برئ من ذلك صار أرش يده مهرا لها ، وإن مات ثم ينظر إلى مهر مثلها وإلى الدية ، فإن كان مهر المثل مثل الدية لا شك أن الكل يسلم لها سواء تزوجها بعد القطع في حال ما يجيء ويذهب أو بعدما صار صاحب فراش ، وإن كان مهر مثلها أقل من الدية ، فإن كان تزوجها في حال يجيء ويذهب ، فالكل يسلم لها ، وإن كانت الزيادة إلى تمام الدية تخرج من ثلث مال الزوج وتعتبر الزيادة على مهر مثلها وصية للعاقلة ، وإن كانت لا تخرج الزيادة على مهر مثلها من ثلث ماله فيقدر ما يخرج من الثلث يسقط عن العاقلة ويعتبر ذلك وصية لهم هذا إذا لم يطلقها الزوج قبل موته حتى مات ، فإن طلقها قبل موته قبل الدخول بها سلم لها من ذلك خمسة آلاف مهر مثلها وصية للعاقلة ويسقط عن العاقلة ، وإن كان مهر مثلها أقل من خمسة آلاف إن كانت الزيادة على غير مهر مثلها إلى تمام خمسة آلاف يخرج من ثلث ماله فكذا يسقط عن العاقلة خمسة آلاف .

                                                                                        وإن كان لا يخرج فبقدر ما يخرج من الثلث مقدار مهر مثلها يسقط عن العاقلة ويردون الباقي إلى ورثة الزوج وكذلك إن تزوجها على الجناية فالجواب فيه من أوله إلى آخره كالجواب فيما إذا تزوجها على القطع وما يحدث به إسماعيل بن عمار عن أبي يوسف في رجل قتل عمدا وله وليان فصالح أحد وليي القاتل عن جميع الدين على خمسين ألفا فللذي صالح خمسة وعشرون ألفا والآخر الباقي هذا إذا تزوجها المقطوع يده فلو تزوجها وليه قال امرأة قتلت رجلا خطأ فتزوجت ولي المقتول على الدية التي وجبت على العاقلة فذلك جائز والعاقلة برئت ، فإن طلقها قبل الدخول بها رجع على العاقلة بنصف الدية رجل شج رجلا موضحة عمدا أو صالحه المشجوج عن الموضحة وما يحدث منها على مال مسمى قبضه ثم شجه رجل آخر موضحة عمدا ومات من الموضحتين فعلى الآخر القصاص ولا شيء على الأول ، وكذلك لو كان الصلح مع الأول بعدما شجه الآخر قال أبو الفضل فقد استحسن في موضع آخر من هذا الكتاب أن له القصاص على الآخر إذا كان شجه بعد صلح الأول رجل شج رجلا موضحة عمدا وصالحه عنها وما يحدث عنها على عشرة آلاف درهم وقبضها ثم شجه آخر خطأ ومات منها فعلى الثاني خمسة آلاف درهم على عاقلته ويرجع الأول في مال المقتول بخمسة آلاف درهم ، وإن كانت الشجتان عمدا جازا إعطاء الأول وقتل الآخر الإسبيجابي جامع الفتاوى .

                                                                                        وعن أبي يوسف في جامعه إذا صالح الشاج من موضحة الخطأ على خمسمائة درهم ثم مات منها يحط عن العاقلة الثلث وبطل الصلح ويرجع الشاج بما دفع وفي الكبرى ، وهذا الجواب على قولهما خاصة أما على قول أبي حنيفة والصلح والعفو عن الشجة لا يتناول ما يحدث منها ، فإذا مات المشجوج هاهنا صار وجود الصلح كعدمه عنده ، ولو انعدم الصلح عنده فالدية على عاقلة الشاج كذا هنا وفي الظهيرية ، وإن وقع الصلح على خمسة عشر ألفا بعد قضاء القاضي بعشرة آلاف فهذا الصلح باطل لما فيه من الزيادة على الدية ، وإن كان المقضي به مائة من الإبل فاصطلحا على مائة وخمسين إن وقع الصلح نسيئة لا شك أنه لا يجوز ، وإن كان يدا بيد إن كان الإبل بأعيانها ثم اصطلحوا على مائة وخمسين من الإبل بأعيانها كان ذلك جائزا هذا إذا وقع الصلح على أكثر من النوع الذي وقع به القضاء أما إذا وقع الصلح على أقل مما وقع به القضاء ، فإنه يجوز حالا ونسيئة وإذا اصطلحا على خلاف جنس ما وقع به القضاء وقد صالحه على أكثر مما قضى به ، فإنه يجوز هذا [ ص: 363 ] الذي ذكرنا إذا اصطلحا بعد القضاء أو الرضا أما إذا اصطلحا قبل القضاء إن كان المصالح عليه أكثر من الدية ، فإنه لا يجوز ابن سماعة عن محمد في رجل جرحه رجلان جراحة عمدا فقضى بالقصاص على أحدهما ثم مات من الجراحتين قال لورثته أن يقتلوا الآخر .

                                                                                        ولو جرحه رجل جراحة عمدا وعفا عنه ثم جرحه آخر عمدا فلم يعف حتى مات منهما فلا قود على الثاني وسئل أبو سلمة عن جماعة كانوا يرمون على كل كلب عقور فأخطأ واحد منهم فأصاب صغيرة فماتت وعرف أن هذا سهم فلان ولكن لم يشهد أحد أنه رماه فلان فصالح صاحب السهم على كرم ثم طلب المصالح رد الصلح قال إن كان يعلم أن المصالح هو الذي جرحها وأن الصبية ماتت من تلك الجراحة فالصلح ماض ، فإن علم أن الجارح صاحب السهم ولكن استغاثت الصغيرة بأبيها فلطمها أبوها فسقطت وماتت ولم يدر أنها ماتت من اللطمة أو من الرمي قال : فإن كان الصلح من الأب بإذن سائر الورثة فالصلح جائز والبدل لسائر الورثة ولا ميراث للأب ، وإن كان الميراث بغير إذنهم فالصلح باطل وفي نوادر هشام قال سألت محمدا عن قلع سن صبي أو حلق رأس امرأة فصالح الجاني أبا الصبي أو المرأة على دراهم ونبت الشعر أو السن فأخبر أن أبا حنيفة يرد الدراهم قال : وكذلك أقول : وكذلك قول محمد قال : وكذلك إن كان هذا كسر يده فصالحه عنها ثم جبرا وصحت قال نعم قلت : فإن زعم صاحب اليد أن يده قد ضعفت ، وليست كما كانت قال أمر من ينظر إليها ، فإنه لا يكاد يخفى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية