الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وبثلثه لزيد وعمرو ، وهو ميت فلزيد كله ) أي إذا أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله ، وعمرو ميت فالثلث كله لزيد لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يشارك الحي الذي هو أهل كما إذا أوصى لزيد بجدار وعن أبي يوسف أنه إذا لم يعلم بموته كان له نصف الثلث لأن الوصية عنده صحيحة لعمرو فلم يوص للحي إلا بنصف الثلث بخلاف ما إذا علم بموته لأن الوصية لعمرو لم تصح فكان راضيا بكل الثلث للحي هذا إذا كان المزاحم معدوما من الأصل أما إذا خرج المزاحم بعد صحة الإيجاب يخرج بحصته ولا يسلم للآخر كل الثلث لأن الوصية صحت لهما ، وتثبت الشركة بينهما فبطلان حق أحدهما بعد ذلك لا يوجب زيادة حق الآخر ، مثاله إذا قال ثلث مالي لفلان ولفلان ابن عبد الله إن مت ، وهو فقير فمات الموصي ، وفلان ابن عبد الله غني كان لفلان نصف الثلث ، وكذا لو قال ثلث مالي لفلان إن كان عبد الله في البيت ، ولم يكن عبد الله في البيت كان لفلان نصف الثلث لأن بطلان استحقاقه لفقد شرطه لا يوجب الزيادة في حق الآخر ، ومتى لم يدخل في الوصية لفقد الأهلية كان الكل للآخر ، وقد قدمناه في بعض هذه المسائل .

                                                                                        وفي الزيادات أصله أن الوصية متى أضيفت إلى شخصين معينين إن كانا أهلا للاستحقاق كان الثلث بينهما لأن الإيجاب لهما قد صح لوجود الأهلية فيهما عند الإيجاب ، وإن انعدمت أهلية أحدهما عند الاستحقاق بالموت فتثبت المزاحمة في الإيجاب بسبب إيجاب النصف لكل واحد منهما كما لو أوصى بالثلث لأجنبي ، ولوارثه لم يكن للأجنبي إلا نصف الثلث ، وإن لم يثبت الاستحقاق لصحة الإيجاب لهما لوجود الأهلية فيهما ، وإن لم يكن أحدهما أهلا للاستحقاق عند الإيجاب كان الثلث كله للأهل كما لو أوصى بالثلث لفلان ولحائط ولو قال أوصيت بثلث مالي بين فلان وفلان ، وأحدهما ميت فنصف الثلث للآخر ، وكذلك لو قال بين فلان وبين هذا ، وأشار إلى حائط ونحوه لأن كلمة بين تقتضي الاشتراك أو التنصيف ألا ترى أنه لو قال ثلث مالي بين فلان وفلان ، وسكت لم يكن له إلا نصف الثلث ، وكلمة بين ملفوظ سواء كانا حيين أو أحدهما حي ، والآخر ميت فكان الاشتراك بموجب اللفظ لا بحكم المزاحمة في المحل بخلاف ما لو قال ثلث مالي لفلان وفلان ، وأحدهما ميت لأن الاشتراك والتنصيف هنا بحكم المزاحمة لا بموجب اللفظ لأن اللفظ يقتضي الإفراد بالكل لما بينا ، ولو قال ثلث مالي لفلان ، ولعقبه ثم مات الموصي فالثلث كله لفلان والوصية لعقبه باطلة لأنه جمع بين الموجود والمعدوم في الإيجاب لأن عقب فلان من يخلفه بعد موته فلا يتصور له عقب في حياته .

                                                                                        واستحقاقه الوصية حال حياة الموصى له ، والعقب معدوم ، والإيجاب للمعدوم لا يصح ، ولو قال لفلان ، ولولد عبد الله فالثلث كله لفلان لأن الوصية لولد عبد الله إنما تتناول ولده [ ص: 477 ] عند موت الموصي لا عند الإيصاء لأنه أرسل الموصى له ، ولو أرسل الموصى به فقال ثلث مالي لفلان فينصرف إلى ثلث ماله يوم موت الموصي لا يوم الوصية فكذلك الموصى له ولا ولد لعبد الله يوم موت الموصي فلا يصح إيجاب الوصية له فصار كأنه أوصى لفلان لا غير ، وتحقيقه أن العين تعرف بالإشارة إليها لا بالصفة فلم يشترط الوصف لتناول الإيجاب وغيره ، والدين إنما يعرف بصفته ، وإنما يتناول الإيجاب إذا وجد فيه تلك الصفة عند موت الموصي فلم توجد الصفة فلم يتناوله الإيجاب فكان الثلث للآخر ، وكذلك لو قال ثلث مالي لفلان إن مت ، وهو حر ، ولفلان بن فلان فإن مات ، وهو حر فالثلث بينهما ، وإن مات قبل موته كان للثاني النصف لا غير لما قلنا ، ولو قال ثلث مالي لفلان ، ولمن افتقر من ولد فلان ثم مات الموصي ، وولد فلان كلهم أغنياء فالثلث كله لفلان لأنه ضم إلى فلان شخصا موصوفا بأنه فقير وما أشار إلى العين فيكون مرسلا لا معينا فتتعين فيه حال الموت لا وقت الإيصاء ، وقوله لمن افتقر يتناول من احتاج بعد أن كان غنيا دون من كان فقيرا من الأصل لأن هذا اللفظ إنما يستعمل فيمن احتاج بعد الغناء .

                                                                                        وفي المبرة معه زيادة ثواب ، وقد ندب الشرع إليه لقوله عليه الصلاة والسلام { أكرموا ثلاثة عزيز قوم ذل وغنيا افتقر وعالما بين جهال } فيجوز أن يكون للموصي قصد بالتخصيص هذه الزيادة ، ولو أوصى لامرأته بأحد العبدين ، وللأجنبي بالآخر كان للأجنبي ثلثا عبده يبدأ به أربعة من ستة فصار كل عبد على ستة ، وكلاهما اثنا عشر ، وللمرأة ربع ما بقي من العبدين سهمان من ثمانية بالميراث سهم ونصف من عبدهما ونصف سهم من الأجنبي يبقى لهما من وصيتها أربعة ونصف ، ويبقى للأجنبي من وصيته اثنان فيضرب كل واحد بذلك في الستة الباقية فإذا أردت تصحيح الفريضة جعلت كل عبد مائة وستة وخمسين سهما لأن الباقي للمرأة أربعة ، وللأجنبي سهمان فيكون ستة ونصفا فانكسر بالنصف فأضعف ليزول الكسر فصار ثلاثة عشر فإذا صار نصف المال على ثلاثة عشر صار الكل ستة وعشرين فاضرب أصل الحساب ، وذلك اثنا عشر في ستة وعشرين فيصير ثلاثمائة وخمسين يأخذ الموصى له مائة وأربعة ، والباقي للمرأة بوصيتها وميراثها لأن الأجنبي يأخذ أولا ثلثي عبده ، وذلك مائة وأربعة أسهم ، وتأخذ المرأة ربع ما بقي ، وذلك اثنان وخمسون بقي مائة وخمسة وستون سهما يقسم بينهم على ثلاثة [ ] سهما تسعة أسهم من ذلك ، وذلك ثلاثمائة وثمانية ، وأربعون للأجنبي من عبده الموصى به له فإذا ضممت ذلك إلى مائة ، وأربعة صار كل مائتين واثنين وخمسين .

                                                                                        أصله أن الوصية للقاتل بمنزلة الوصية للوارث حتى لا تجوز إلا بإجازة الورثة عند أبي حنيفة ، وعندهما لا تجوز أصلا لما يأتي في بابه ، وإذا أوصى بماله كله لقاتله ولا وارث له ، وبكله لأجنبي قيل للأجنبي ثلث المال ، والثلث للقاتل لأن ثلثي المال صار مستحقا للأجنبي بوصية قوية ، والمستحق بالوصية القوية تبطل فيه الوصية الضعيفة ضربا ، واستحقاقا يبقى ثلث المال استوت وصيتهما فيه لأن وصيتهما فيما زاد على الثلث ضعيفة حتى لا تنفذا بإجازة الوارث فإذا تساويا في الوصية تساويا في القسمة ، وإذا ماتت امرأة ، وتركت زوجها ، وأوصت لأجنبي بثلث مالها ، ولقاتلها بمالها للزوج ثلثاه ، والثلث الباقي بين الأجنبي والقاتل أثلاثا عند محمد للقاتل منه سهمان ، ويكون المال كله من تسعة للأجنبي أولا ثلاثة ، وللزوج ثلاثة للأجنبي سهم ، وللقاتل سهمان ، وعند محمد الباقي بينهما نصفين لأن عنده القاتل لا يضرب بما صار مستحقا للزوج بالميراث ، وإنما يضرب بما بقي ، وهو الثلث ، وللأجنبي كذلك فصار الثلث بينهما نصفين ، والقسمة من ستة للأجنبي النصف ثلاثة ، وللزوج سهمان ، وللقاتل سهم ، وعند أبي يوسف لا تجوز الوصية للقاتل أبدا ، وإن لم يكن وارث ، وتبين أنها إذا لم يكن لها وارث غير الزوج جاز إقرارها لأن المانع من صحة إقرار المريض لوارثه حق سائر الورثة حتى لو صدقوه كان الإقرار صحيحا ، وقد فقد المانع هذا لانعدام الوارث لها فصح إقرارها .

                                                                                        وإذا قتلها زوجها وأجنبي عمدا ثم عفت عنهما فأوصت للأجنبي بنصف مالها جازت الوصية ولا ميراث للزوج لأنه قاتلها ، والقتل العمد يحرم من الميراث فقد التحقت بمن لا وارث لها أصلا فجازت الوصية للقاتل لأن المانع من جواز الوصية وجود الوارث ولا وارث لها ففقد المانع .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية