الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وبثلثه لأمهات أولاده ، وهن ثلاث وللفقراء والمساكين وأمهات أولاده ثلاث يقسم الثلث أخماسا فلهن ثلاثة أسهم ، ولكل طائفة من المساكين والفقراء سهم ) وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وقال محمد يقسم أسباعا لأن المذكور لفظ الجمع ، وأدناه في الميراث اثنان قال الله تعالى { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } وقال { فإن كن نساء فوق اثنتين } الآية ، والمراد بالاثنتين اثنان فكان من كل طائفة اثنان ، وأمهات الأولاد ثلاثة فكان المجموع سبعة فيقسم أسباعا قلنا اسم الجنس المحلى [ ص: 479 ] بالألف واللام يتناول الأدنى مع احتمال الكل كالمفرد المحلى بهما لأنه يراد بهما الجنس إذا لم يكن ثم معهود قال الله تعالى { لا يحل لك النساء من بعد } وقال الله تعالى { وجعلنا من الماء كل شيء حي } ولا يحتمل ما بينهما فتعين الأدنى لتعذر إرادة الكل ، ولهذا لو حلف لا يشتري العبد يحنث بواحد فيتناول من كل فريق واحدا ، وأمهات الأولاد ثلاثة فتبلغ السهام خمسة ، وليس فيما تلى زيادة على ما ذكر لأن المذكور في الاثنين نكرة ، وكلامنا في المعرفة حتى لو كان فيما نحن فيه منكرا قلنا كما لو قال ثم هذه الوصية تكون لأمهات أولاده اللاتي يعتقن بموته دون اللاتي عتقن في حياته من أمهات الأولاد لأن الاسم لهن في العرف واللاتي عتقن حال حياته موال لا أمهات أولاده .

                                                                                        وإنما تصرف إليهن الوصية عند عدم أولئك لعدم من يكون أولى منهن بهذا الاسم ولا يقال إن الوصية لمملوكه بما له لا تجوز لأن العبد لا يملك شيئا ، وإنما يجوز له الوصية بالعتق أو برقبته لكونه عتقا فوجب أن يكون لأمهات أولاده اللاتي يعتقن حال حياته لأنا نقول القياس أن لا تجوز الوصية لهن لأنها لو جازت لهن لكنه حال نزول العتق بهن لكون العتق والتمليك معلقا بالموت ، والتعليق يقع عليهن ، وهن إماء فكذا تملكهن يقع ، وهن إماء ، وهو لا يجوز إلا أنا جوزناه استحسانا لأن الوصية مضافة إلى ما بعد عتقهن لا حال حلول العتق بهن بدلالة حال الموصي لأن الظاهر من حاله أن يقصد بإيصائه وصية صحيحة لا باطلة ، والصحيحة هي المضافة إلى ما بعد عتقهن كذا في عامة الشروح ، وعزاه جماعة من الشراح إلى الذخيرة ، وسئل الإمام قاضي خان والإمام المحبوبي عن هذا فقالا أما جواز الوصية لأمهات أولاده فلأن أوان ثبوت الوصية وعملها بعد الموت ، وهن حرائر بعد الموت فتجوز الوصية لهن كما ذكره صاحب النهاية نقلا عنهما ثم قال في العناية فإن قيل الوصية بثلث المال لعبده جائزة ولا يعتق بعد موته ، وأم الولد ليست أقل حالا منه فكيف لم تصح لها الوصية قياسا ، وأجيب بأن الوصية بثلث المال للعبد إنما جازت لتناوله ثلث رقبته فكانت وصية برقبة إعتاقا .

                                                                                        وهو يصح منجزا ومضافا بخلاف أم الولد فإن الوصية ليست إعتاقا لأنها تعتق بموت المولى ، وإن لم يكن ثمة وصية أصلا ، ولقائل أن يقول الوصية بثلث المال أما إن صادفتها بعد موت المولى وهي حرة أو أمة فإن كان الأول فلا وجه لنفي القياس ، وإن كان الثاني فكذلك لأنها كالعبد الموصى له بثلث المال ، والجواب أنها ليست كالعبد لأن عتقها لا بد وأن يكون بموت المولى فلو كان بالوصية أيضا توارد علتان مستقلتان على معلول واحد بالشخص ، وهو ثلث رقبتها ، وذلك باطل إلى هنا لفظ العناية ، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف ، ولو أوصى لأمهات أولاده بألف ولمواليه بألف ، وله أمهات أولاد عتقن في حياته ، ومواليات اعتبر كل فريق على حدة ، ولو أوصى بثلث ماله لمواليه ، ولم يذكر أمهات الأولاد دخلت أمهات الأولاد في الوصية ، وظاهر قوله وهن ثلاثة أنهن لو كن ثنتين يقسم المال على أربعة لهن ، ولو أوصى لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلوية والشيعة ومحب أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم والفقهاء والعلماء أصحاب الحديث سئل الفقيه أبو جعفر عن رجل أوصى لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أبو نصر بن يحيى كان يقول الوصية لأولاد الحسن والحسين ولا يكون لغيرهما فأما العلوية فهل يدخلون في هذه الوصية لأنه كان للحسن رضي الله عنه بنت زوجت من ولد عمر رضي الله عنهم وإذا أوصى للعلوية فقد حكي عن الفقيه أبي جعفر أنه لا يجوز لأنهم لا يحصون .

                                                                                        وليس في هذا الاسم ما ينبئ عن الفقر والحاجة ، ولو أوصى لفقهاء العلوية يجوز ، وعلى هذه الوصية للفقهاء لا تجوز ، ولو أوصى لفقرائهم تجوز ، وقد حكي عن بعض مشايخنا أن الوقف على معلم في المسجد يعلم الصبيان فيه يجوز لأن عامتهم الفقراء ، والفقراء فيهم الغالب فصار الحكم لغلبة الفقر كالمشروط ، وقال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني كان القاضي الإمام يقول على هذا القياس إذا أوصى لطلبة علم كورة أو لطلبة علم كذا يجوز ، ولو أعطى الوصي واحدا من فقراء الطلبة أو من فقراء العلوية جاز عند أبي يوسف ، وعند محمد لا يجوز إلا إذا صرف إلى اثنين منهم فصاعدا ، وإذا أوصى للشيعة ومحبي آل محمد المقيمين ببلدة كذا فاعلم بأن في الحقيقة كل مسلم شيعة ومحب لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح في ديانتهم إلا ذلك ، وأما ما وقع عليه ممن أراد به الموصي فمراده الذين ينصرفون بالميل إليهم ، وصاروا موسومين بذلك دون غيرهم فقد قيل [ ص: 480 ] الوصية باطلة فأما إذا كانوا لا يحصون فيكون للفقراء استحسانا على قياس مسألة اليتامى ، وقال الفقيه أبو جعفر ولم يكن في بلدنا أحد يسمى فقيها غير أبي بكر الأعمش شيخنا ، وقد اختار أبو بكر الفارسي ، وبذل مالا كثيرا لطلبة العلم حتى نادوه في مجلس أيها الفقيه ، وإذا أوصى لأهل العلم ببلدة كذا فإنه يدخل فيه أهل الفقه وأهل الحديث ولا يدخل فيه من يتعلم الحكمة .

                                                                                        وفي الخانية وهل يدخل فيه من يتعلم الحكم ، وهل يدخل فيه المتكلمون لا ذكر فيه ، وعن أبي القاسم فعلى قياس هذه المسألة لا يدخل في الوصية المتكلمون ، وإذا أوصى بثلث ماله لفقراء طلبة العلم من أصحاب الحديث الذين يختلفون إلى مدرسة منسوبة في كورة كذا لا يدخل متعلمو الفقه إذا لم يكونوا من جملة أصحاب الحديث ، ويتناول من يقرأ الأحاديث ، ويسمع ، ويكون في طلب ذلك سواء كان شافعي المذهب أو حنفي المذهب أو غير ذلك ، ومن كان شافعي المذهب إلا أنه لا يقرأ الأحاديث ولا يسمع ولا يكون في طلب ذلك لا يتناوله اسم أصحاب الحديث .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية