الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وببيت عين من دار مشتركة ، وقسم ، ووقع في حظه فهو للموصى له ، وإلا مثل ذرعه ) معناه إذا كانت الدار مشتركة بين اثنين فأوصى أحدهما ببيت بعينه لرجل فإن الدار تقسم فإن وقع البيت في نصيب الموصي فهو للموصى له ، وإن وقع في نصيب الآخر فللموصى له مثل ذرع البيت ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ، وقال محمد رحمه الله له نصف البيت إن وقع في نصيب الموصي ، وإن وقع في نصيب الآخر كان له مثل ذرع نصف البيت لأنه أوصى بملكه ، وبملك غيره لأن الدار كلها مشتركة فتنفذ في ملكه ، ويتوقف الباقي على إجازة صاحبه ثم إذا ملكه بعد ذلك فالقسمة التي هي مبادلة لا تنفذ الوصية السابقة كما إذا أوصى بملك الغير ثم اشتراه ثم أصابه بالقسمة عين البيت كان للموصى له نصفه لأنه عين ما أوصى به ، وإن وقع في نصيب صاحبه كان مثل نصف البيت لأنه يجب تنفيذها في البدل عند تعذر تنفيذها في عين الموصى به كالجارية الموصى بها إذا قتلت تنفذ الوصية في بدلها بخلاف ما إذا بيع العبد الموصى به حيث لا تتعلق الوصية بثمنه لأن الوصية تبطل بالإقدام على البيع على ما بينا في مسائل الرجوع عن الوصية ولا تبطل بالقسمة ، ولهما أنه إذا أوصى بما يستقر ملكه فيه بالقسمة لأنه يقصد الإيصاء بما يمكن الانتفاع به على الكمال ظاهرا ، وذلك يكون بالقسمة لأن الانتفاع بالمشاع قاصر ، وقد استقر ملكه في جميع البيت إذا وقع في نصيبه فتنفذ الوصية فيه ، ومعنى المبادلة في القسمة تابع .

                                                                                        وإنما المقصود الإقرار تكميلا للمنفعة ، ولهذا يجبر على القسمة فيه قال صاحب النهاية في بحث ، وهو أنه قال في كتاب القسمة ، والإقرار هو الظاهر في المكيلات ، والموزونات ، ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض وما نحن فيه من العروض فكيف كانت المبادلة فيه تابعة ، وأجيب بأنه قال هناك بعد قوله ومعنى المبادلة هو الظاهر في العروض إلا أنها إذا كانت من جنس واحد أجبر القاضي على القسمة عند طلب أحد الشركاء وما نحن فيه كذلك فكان معنى المبادلة فيه تابعا كما ذكر هاهنا لأن الجبر لا يجري في المبادلة ، ويكون معنى قوله هناك ، ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض إذا لم تكن من جنس واحد ، وإلى هذا أشار بقوله وإنما الإقرار تكميلا ولا تبطل الوصية إذا وقع البيت كله في نصيب شريكه ، ولو كانت مبادلة لبطلت كما لو باع الموصى به فعلى اعتبار الإقرار صار كأن البيت كله في نصيب شريكه ، ولو كانت مبادلة كله ملكه من الابتداء ، وإذا وقع في نصيب الآخر تنفذ في قدر ذرعان البيت جميعه من الذي وقع في نصيب الموصي لأنه عوضه ، ومراد الموصي من ذكر البيت تقديره به غير أنا نقول يتعين البيت إذا وقع البيت في نصيبه جمعا بين الجهتين التقدير والتمليك ، وإذا وقع في نصيب الآخر عملنا بالتقدير أو نقول أنه أراد التقدير على اعتبار وقوع البيت في نصيب شريكه ، وأراد التمليك على اعتبار وقوعه في نصيبه ولا يبعد أن يكون لكلام واحد جهتان باعتبارين ألا ترى أن لكلام واحد جهتين فيمن علق بأول ولد تلده أمته طلاق امرأته وعتق ذلك الولد فيتقيد في حق العتق بالولد الحي لا في حق الطلاق ثم إذا وقع البيت في نصيب غير الموصي .

                                                                                        والدار مائة ذراع ، والبيت عشرة أذرع يقسم نصيب الموصي بين الموصى له والورثة على عشرة أسهم عند محمد تسعة للورثة ، وسهم للموصى له فيضرب الموصى له بنصف البيت ، وهو خمسة أذرع ، وهم بنصف الدار إلا نصف البيت الذي صار له ، وهم خمسة وأربعون ذراعا ، ونصيب البيت من الدار خمسون ذراعا فيجعل كل خمسة منها سهما فصار عشرة أسهم ، وعندهما تقسم على خمسة أسهم لأن الموصى له يضرب بجميع البيت ، وهو عشرة أذرع ، وهم بنصف كله إلا البيت الموصى به ، وهو أربعون ذراعا فيجعل كل عشرة أذرع سهما فصار المجموع خمسة أسهم سهم للموصى له وأربعة لهم قال رحمه الله ( والإقرار مثلها ) أي الإقرار ببيت معين من دار مشتركة مثل الوصية به حيث يؤمر بتسليم كله إن وقع البيت في نصيب المقر عندهما ، وإن وقع في نصيب الآخر يؤمر بتسليم مثله ، وعند محمد يؤمر بتسليم النصف أو قدر النصف ، وقيل محمد معهما في الإقرار ، والفرق له على هذه الرواية أن الإقرار بملك الغير صحيح حتى أن من أقر بملك الغير لغيره ثم تملكه يؤمر بالتسليم إلى المقر له والوصية [ ص: 485 ] بملك الغير لا تصح حتى لو ملكت بوجه من الوجوه ثم مات لا تنفذ فيه الوصية قال في الأصل الإقرار بالوصية من الوارث ، والشهادة عليها ، وإقرار الوارث بالدين الوديعة والشركة قال وإذا أقر الوارث أن أباه أوصى بالثلث لفلان وشهدت الشهود أنه أوصى بالثلث لآخر

                                                                                        كان الثلث كله للمشهود له ولا يكون للذي أقر له الوارث من الثلث شيء ولا يضمن الوارث للمقر له شيئا إذا هلك المال في يده قبل الدفع أو دفع إلى المشهود له بقضاء قاض أو بغير قضاء قال وإذا أقر الوارث أن أباه أوصى بالثلث لفلان ثم قال بعد ذلك بل أوصى به لفلان أو قال أوصى به لفلان لا بل لفلان فإنه يكون للأول في الوجهين جميعا ولا يضمن الوارث شيئا للثاني إذا هلكت التركة في يده قبل الدفع للأول بقضاء ، وإن دفع للأول بغير قضاء قاض صار ضامنا للثاني ثم إن محمدا فرق بين هذا وبين الإقرار الوديعة قال إذا أقر الرجل أن هذا العبد وديعة لفلان ثم قال لا بل لفلان ، ودفع العبد إلى الأول بقضاء قاض أو بغير قضاء فإنه يضمن للثاني قيمة العبد في الحالين ، ومنها لو دفع الوارث الثلث إلى الأول بقضاء قاض فإنه لا يضمن للثاني عندهم جميعا ، وهذا الذي ذكرنا كله إذا كان الإقرار للثاني منفصلا عن الأول فأما إذا كان متصلا كان الثلث بينهما نصفين ، ونظير هذا الإقرار الوديعة لو أقر أن هذا العبد عنده وديعة لفلان ، وفلان أو قال وديعة عنده لفلان آخر متصلا كان العبد بينهما نصفين كأنه قال هذا العبد وديعة عندي لفلان ثم قال لا بل لفلان فإن العبد كله للأول فكذا هذا قال وإذا أقر الوارث بوصية ألف درهم بعينها ثم أقر ذلك بعد بالثلث لآخر ثم رفع ذلك إلى القاضي فإنه يدفع الألف إلى الأول .

                                                                                        وكان الجواب فيه كالجواب فيما إذا أقر بالثلث لآخر ثم رفع ذلك إلى القاضي فإنه يدفع الألف إلى الأول ثم إذا أقر بعد ذلك للثاني فإن الثلث كله يدفع للأول ولا يكون للثاني فيه شيء كذلك هذا الجواب فيما لو أقر بوصية بغير عينها .

                                                                                        والجواب فيما لو أقر بألف بعينها لأن الوصايا تنفذ من الثلث فصار الثلث كله مستحقا للأول بالإقرار الأول ، وكان الجواب فيما لو أقر بألف قال محمد في الجامع في الرجل يموت ويترك وارثين ، وألفي درهم فيأخذ كل واحد منهما ألفا فغاب أحدهما وأقر الحاضر لرجل أن الميت أوصى له بثلث أخذ المقر له من الحاضر ثلث ما في يده فرق بين هذا وبين ما إذا أقر الحاضر بدين له فإنه يأخذ كل ذلك من نصيبه ، وإن أقر أحدهما بوديعة بعينها ، وذلك في نصيبه ، وكذبه الآخر فإنه يؤخذ ذلك كله من المقر ، وإن أقر بوديعة مجهولة يستوفي الكل من نصيبه ، ولو أقر أحدهما بشركة بينه وبين الآخر ، وكذبه الآخر صح في نصيبه ، ويقسم ما في يده بين المقر والمقر له ولا يأخذ المقر له من الجاحد شيئا لأن إقرار كل مقر يصح في حقه ولا يصح في حق غيره ، ونظير هذا ما قالوا في رجل مات وترك بنتين ، وأقرت إحدى البنتين بأخ مجهول ، وكذبتها البنت الأخرى فإن الأخ المقر له يأخذ من نصيب البنت المقرة ، وفي الكافي ابنان اقتسما تركة الأب ألفا ثم أقر أحدهما لرجل أن الأب أوصى له بثلث ماله فالمقر يعطيه ثلث ما في يده استحسانا .

                                                                                        وقال زفر يعطيه نصف ما في يده قياسا ، ولو كان البنون ثلاثة ، والتركة ثلاثة آلاف فاقتسموها فجاء رجل وادعى أن الميت أوصى له بثلث ماله ، وصدقه واحد منهم فإنه يعطيه عند زفر ثلاثة أخماس ما في يده ، وعندنا يعطيه ثلث ما في يده .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية